فقال المنصور: والله ما أعلم على وجه الأرض عدوّا أعدى لكم منه هو ذا في البساط فاسترجع عيسى، فأنكر عليه المنصور وقال: وهل كان لكم ملك معه؟ ثم دعا جعفر بن حنظلة واستشاره في أمر أبي مسلم فأشار بقتله فقال له المنصور وفقك الله ثم نظر إليه قتيلا فقال له يا أمير المؤمنين عدّ خلافتك من هذا اليوم. ثم دعا أبا إسحاق عن متابعة أبي مسلم وقال تكلّم بما أردت وأخرجه قتيلا فسجد أبو إسحاق ثم رفع رأسه يقول الحمد للَّه أميت هو والله ما جئته قطّ إلا تكفّنت وتحنّطت ورفع ثيابه وأراه كفنه وحنوطه فرحمه. وقال له استقبل طاعتك واحمد الله الّذي أراحك. وكتب المنصور بعد قتل أبي مسلم إلى أبي نصر بن الهيثم على لسان أبي مسلم يأمره بحمل أثقاله، وقد كان أبو مسلم أوصاه إن جاءك كتاب بخاتمي تامّا فاعلم أني لم أكتبه، فلما رآه كذلك فطن وانحدر إلى همذان يريد خراسان، فكتب له المنصور بولاية شهرزور، وكتب إلى زهير بن التركي بهمذان يحبسه فمرّ أبو نصر بهمذان وخادعه زهير ودعاه إلى طعامه وحبسه وجاء كتاب العهد بشهرزور لأبي نصر فأطلقه زهير ثم جاءه بعد ذلك الكتاب بقتله فقال: جاءني كتاب عهده فخلّيت سبيله. وقدم أبو نصر على المنصور فعذله في إشارته على أبي مسلم بخراسان فقال: نعم استنصحني فنصحت له وان استنصحني أمير المؤمنين نصحت وشكرت، واستعمله على الموصل. وخطب أبو جعفر الناس بعد قتل أبي مسلم وانسهم وافترق أصحابه وخرج منهم بخراسان رجل اسمه سنباد ويسمّى فيروز أصبهبذ وتبعه أكثر الجيال يطلبون بدم أبي مسلم وغلب على نيسابور والريّ وأخذ خزائن أبي مسلم التي خلفها بالريّ حين شخص إلى السفّاح وسبى الحرم ونهب الأموال ولم يعرض إلى التجّار وكان يظهر أنه قاصد إلى الكعبة يهدمها فسرّح إليه المنصور جمهور بن مرّار العجليّ والتقوا على طرق المفازة بين همذان والريّ، فقاتلهم وهزمهم وقتل منهم نحوا من ستين ألفا وسبى ذراريهم ونساءهم ولحق سنباد بطبرستان فقتله بعض عمّال صاحبها وأخذ ما معه وكتب إلى المنصور بذلك فكتب إليه المنصور في الأموال فأنكر فسرّح إليه الجنود فهرب إلى الديلم ثم إنّ جمهور بن مرّار لما حوى ما في عسكر سنباد ولم يبعث به خاف من المنصور فخلع واعتصم بالريّ فسرّح إليه محمد بن الأشعث في الجيوش، فخرج من الريّ إلى أصبهان فملكها وملك محمد الريّ. ثم اقتتلوا وانهزم جمهور فلحق بأذربيجان، وقتله بعض أصحابه وحملوا رأسه إلى المنصور، وذلك سنة ثمان وثلاثين