للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صرصر وقصر ابن هبيرة، واتصل الحصار إلى شهر ذي القعدة وخرج ابن طاهر في بعض أيامه في جميع القوّاد والعساكر، فقاتلهم وانهزموا وقتل منهم خلق وارتقم الذين كانوا مع بغا ووصيف لذلك فلحقوا بالأتراك. ثم تراجع الأتراك وانهزم أهل بغداد. ثم خرج في ذي الحجة رشيد بن كاووس أخو الأفشين ساعيا في الصلح بين الفريقين، واتهم الناس ابن طاهر بالسعي في خلع المستعين. فلما جاء رشيد وأبلغهم سلام المعتز وأخيه أبي أحمد شتموه وشتموا ابن طاهر وعمدوا إلى دار رشيد ليهدموها، وسأل ابن طاهر من المستعين أن يسكنهم، فخرج إليهم ونهاهم وبرّأ ابن طاهر مما اتهموه به، فانصرفوا، وتردّدت الرسل بين ابن طاهر وبين أبي أحمد فتجدّد للعامة والجند سوء الظنّ، وطلب الجند أرزاقهم فوعدهم بشهرين وأمرهم بالنزول، فأبوا إلا أن يعلمهم الصحيح من رأيه في المستعين. وخاف أن يدخلوا الأتراك كما عمل أهل المدائن والأنبار، فأصعد المستعين على سطح دار العامة حتى رآه الناس وبيده البردة والقضيب، وأقسم عليهم فانصرفوا. واعتزم ابن طاهر على التحوّل إلى المدائن، فجاءه وجوه الناس واعتذروا له بالغوغاء فأقصروا بنقل المستعين عن دار ابن طاهر إلى دار رزق الخادم بالرصافة. وأمر القوّاد وبني هاشم بالكون مع ابن طاهر، فركب في تعبية وحلف لهم على المستعين وعلى قصد الإصلاح فدعوا له، وسار إلى المستعين وأغراه به وأمر بغا ووصيفا بقتله فلم يفعلا. وجاءه أحمد بن إسرائيل والحسين بن مخلد بمثل ذلك في المستعين، فتغيّر له ابن طاهر. فلما كان يوم الأضحى وقد حضر الفقهاء والقضاة طالبه ابن طاهر بإمضاء الصلح، فأجاب وخرج إلى باب الشماسية، فجلس هناك ابن طاهر إلى المستعين وأخبره بأنه عقد الأمر إلى أن يخلع نفسه، ويبتذلوا له خمسين ألف دينار، ويعطوه غلّة ثلاثين ألف دينار، ويقيم بالحجاز متردّدا بين الحرمين، ويكون بغا واليا على الحجاز، ووصيف على الجبل، ويكون ثلث الجباية لابن طاهر وجند بغداد والثلثان للموالي والأتراك.

فامتنع المستعين أوّلا من الخلع ظنّا منه أنّ وصيفا وبغا معه. ثم تبين موافقتهما عليه فأجاب وكتب بما أراد من الشروط، وأدخل الفقهاء والقضاة واشهدهم بأنه قد صيّر أمره إلى ابن طاهر. ثم أحضر القوّاد وأخبرهم بأنه ما قصد بهذا الإصلاح إلّا حقن الدماء، وأخرجهم إلى المعتزّ ليوافقهم بخطه على كتاب الشرط ويشهدوا على إقراره، فجاءوا بذلك لست خلون من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>