للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأراد قتله فمنعه، واستوزر المقتدر سليمان بن الحسن وأمر عليّ بن عيسى بمشاركته في الاطلاع على الدواوين، وصودر ابن مقلة على مائتي ألف دينار، وأقام سليمان في وزارته سنة وشهرين وعليّ بن عيسى يشاركه في الدواوين، وضاقت عليه الأحوال إضاقة شديدة، وكثرت المطالبات ووقفت وظائف السلطان. ثم أفرد السواد بالولاية فانقطعت مواد الوزير لأنه كان يقيم من قبله من يشتري توقعات الأرزاق ممن لا يقدر على السعي في تحصيلها من العمّال والفقهاء وأرباب البيوت، فيشتريها بنصف المبلغ فتعرّض بعض من كان ينتمى لمفلح الخادم لتحصيل ذلك للخليفة، وتوسّط له مفلح فدافع لذلك وجاهر في تحصيله من العمّال، فاختلت الأحوال بذلك وفضح الديوان ودفعت الأحوال لقطع منافع الوزراء والعمّال التي كانوا يرتفقون بها، وإهمالهم أمور الناس بسبب ذلك. وعاد الخلل على الدولة وتحرّك المرشحون للوزارة في السعاية وضمان القيام بالوظائف وأرزاق الجند. وأشار مؤنس بوزارة أبي القاسم الكلواذي فاستوزره المقتدر في رجب من سنة تسع عشرة وأقام في وزارته شهرين.

وكان ببغداد رجل من المخرّفين يسمّى الدانيالي، وكان ورّاقا ذكيا محتالا يكتب الخطوط في الورق ويداويها حتى تتمّ بالبلى. وقد أودعها ذكر من يراه من أهل الدولة برموز وإشارات، ويقسّم له فيها من حظوظ الملك والجاه والتمكين قسمة من عالم الغيب، يوهم أنها من الحدثان القديم المأثور عن دانيال وغيره، وأنها من الملاحم المتوارثة عن آبائه، ففعل مثل ذلك بمفلح. وكتب له في الأوراق م م م بأن يكون له كذا وكذا، وسأله مفلح عن الميم فقال: هو كناية عنك لأنك مفلح مولى المقتدر. وناسب بينه وبين علامات مذكورة في تلك الأوراق حتى طبّقها عليه، فشغف به مؤنس وأغناه. وكان يداخل الحسين بن القاسم بن عبد الله بن وهب، فرمز اسمه في كتاب وذكر بعض علاماته المنطبقة عليه، وذكر أنه يستوزره الخليفة الثامن عشر من بني العبّاس، وتستقيم الأمور على يديه، ويقهر الأعادي وتعمر الدنيا في أيّامه وخلط ذلك في الكتاب بحدثان كثير وقع بعضه ولم يقع الآخر.

وقرأ الكتاب على مفلح فأعجبه، وجاء بالكتاب إلى المقتدر فأعجب به الآخر، وقال لمفلح: من تعلم بهذه القصة؟ فقال لا أراه إلا الحسين بن القاسم. قال:

صدقت وإني لأميل إليه، وقد كان المقتدر أراد ولايته قبل ابن مقلة وقبل الكلواذي، فامتنع مؤنس. ثم قال المقتدر لمفلح: إن جاءتك رقعة منه بالسعي في

<<  <  ج: ص:  >  >>