وأضاعوا مصلحته. وأشار مؤنس المظفّر بعزله وولاية ابن عيسى، فعزل لسنة وشهرين. واستقدم عليّ بن عيسى من دمشق وأبو القاسم عبد الله بن محمد الكلواذي بالنيابة عنه إلى أن يحضر، فحضر أوّل سنة خمس عشرة واستقل بأمر الوزارة، وطلب كفالات المصادرين والعمّال، وما ضمن من الأموال بالسواد والأهواز وفارس والمغرب، فاستحضرها شيئا بعد شيء وأدرّ الأرزاق وبسط العطاء وأسقط أرزاق المغنّين والمسامرة والندمان والصفاعنة، وأسقط من الجند أصاغر الأولاد ومن ليس له سلاح والهرمي والزمنى، وباشر الأمور بنفسه واستعمل الكفاة وطلب أبا العبّاس الخصي في المناظرة، وأحضر له الفقهاء والقضاة والكتاب، وسأله عن أموال الخوارج والنواحي والمصادرات وكفالاتها، وما حصل من ذلك وما الواصل والبواقي، فقال لا أعلم فسأله عن المال الّذي سلّمه لابن أبي الساج كيف سلّمه بلا مصرف ولا منفق، وكيف سلّم إليه أعمال المشرق، وكيف بعثه لبلاد الصحراء بهجر هو وأصحابه من أهل الغلول والخصب، فقال: ظننت منهم القدرة على ذلك. وامتنع ابن أبي الساج من المنفق فقال: وكيف استجزت ضرب حرم المصادرين؟ فسكت، ثم سئل عن الخراج فخلط فقال: أنت غررت أمير المؤمنين من نفسك فهلا استعذرت بعدم المعرفة. ثم أعيد إلى محبسه واستمرّ عليّ بن عيسى في ولايته. ثم اضطربت عليه الأحوال واختلفت الأعمال، ونقص الارتياع نقصا فاحشا، وزادت النفقات، وزاد المقتدر تلك الأيام في نفقات الخدم والحرم ما لا يحصى، وعاد الجند من الأنبار فزادهم في أرزاقهم مائتين وأربعين ألف دينار. فلمّا رأى ذلك عليّ بن عيسى ويئس من انقطاعه أو توقّفه، وخشي من نصر الحاجب، فقد كان انحرف عنه لميل مؤنس إليه وما بينهما من المنافرة في الدولة، فاستعفى من الوزارة وألحّ في ذلك وسكنه مؤنس فقال له: أنت سائر إلى الرقّة، وأخشى على نفسي بعدك. ثم فاوض المقتدر نصر الحاجب بعد مسير مؤنس فأشار بوزارة أبي عليّ ابن مقلة، فاستوزره المقتدر سنة ست عشرة وقبض على عليّ بن عيسى وأخيه عبد الرحمن، وأقام ابن مقلة بالوزارة وأعانه فيها أبو عبد الله البريدي لمودّة كانت بينهما واستمرّت حاله على ذلك. ثم عزله المقتدر ونكبه بعد سنتين وأربعة أشهر حين استوحش من مؤنس كما نذكره، وكان ابن مقلة متّهما بالميل إليه فاتّفق مغيبه في بعض الوجوه فيقبض عليه المقتدر. فلمّا جاء مؤنس سأل في إعادته فلم يجبه المقتدر