الحاجب في العساكر ولحق بمؤنس المظفّر واجتمعوا في نيف وأربعين ألف مقاتل إلى عسكر القرامطة ليخلّصوا ابن أبي الساج فقاتلهم القرامطة وهزموهم. وكان أبو طاهر قد نظر إلى ابن أبي الساج وهو يستشرف إلى الخلاص، وأصحابه يشيرونه، فأحضره وقتله وقتل جميع الأسرى من أصحابه، وكثر الهرج ببغداد واتّخذوا السفن بالانحدار إلى واسط ومنهم من نقل متاعه إلى حلوان. وكان نازوك صاحب الشرطة فأكثر التطواف بالليل والنهار، وقتل بعض الدعّار فأقصروا عن [١] ثم سار القرامطة عن الأنبار فاتحة سنة ست عشرة ورجع مؤنس إلى بغداد وسار أبو طاهر إلى الرحبة فملكها واستباحها، واستأمن إليه أهل قرقيسيا فأمّنهم، وبعث السرايا إلى الأعراب بالجزيرة فنهبوهم وهربوا بين يديه، وقدّر إليهم الإتاوة في كل سنة يحملونها إلى هجر. ثم سار أبو طاهر إلى الرقّة وقاتلها ثلاثا، وبعث السرايا إلى رأس عين، وكفرتوثا وسنجار فاستأمنوا إليهم، وخرج مؤنس المظفّر من بغداد في العسكر وقصد الرقّة، فسار أبو طاهر عنها إلى الرحبة ووصلها مؤنس، وسار القرامطة إلى هيت، فامتنعت عليهم فساروا إلى الكوفة. وخرج من بغداد نصر الحاجب وهارون بن غريب وبنّيّ بن قيس في العساكر إليها، ووصلت جند القرامطة إلى قصر ابن هبيرة. ثم مرض نصر الحاجب واستخلف على عسكره أحمد بن كيغلغ، وعاد فمات في طريقه، وولّى مكانه على عسكره هارون بن غريب، وولّى مكانه في الحجة ابنه أحمد. ثم انصرف القرامطة إلى بلادهم ورجع هارون إلى بغداد في شوّال من السنة. ثم اجتمع بالسواد جماعات من أهل هذا المذهب بواسط وعين التمر، وولّى كل جماعة عليهم رجلا منهم، فولى جماعة واسط حريث بن مسعود، وجماعة عين التمر عيسى بن موسى وسار إلى الكوفة ونزل بظاهرها وصرف العمّال عن السواد، وجبى الخراج. وسار حريث إلى أعمال الموفّق وبنى بها دارا سمّاها دار الهجرة، واستولى على تلك الناحية. وكان صاحب الحرب بواسط بني بن قيس فهزموه، فبعث إليه المقتدر هارون بن غريب في العساكر، وإلى قرامطة الكوفة صافيا البصريّ، فهزموهم من كل جانب وجاءوا بأعلامهم بيضاء عليها مكتوب: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ ٢٨: ٥ الآية، وأدخلت إلى بغداد منكوسة، واضمحلّ أمر القرامطة بالسواد.
[١] بياض بالأصل وفي الكامل لابن الأثير ج ٨ ص ١٧٣: «وسلمت بغداد من نهب العيّارين، لأن نازوك كان يطوف هو وأصحابه ليلا ونهارا، ومن وجدوه بعد العتمة قتلوه فامتنع العيّارون ... » .