للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستحسان وأسرّها في نفسه فأوجد السّبيل بذلك على نفسه وقومه حتّى ثلّ عرشهم وألقيت عليهم سماؤهم وخسفت الأرض بهم وبدارهم وذهبت سلفا ومثلا للآخرين أيّامهم ومن تأمّل أخبارهم واستقصى سير الدّولة وسيرهم وجد ذلك محقّق الأثر ممهّد الأسباب وانظر ما نقله ابن عبد ربّه في مفاوضة الرّشيد عمّ جدّه داود بن علي في شأن نكبتهم وما ذكره في باب الشّعراء في كتاب العقد في محاورة الأصمعيّ للرّشيد وللفضل بن يحيى في سمرهم تتفهّم أنّه إنّما قتلتهم الغيرة والمنافسة في الاستبداد من الخليفة فمن دونه وكذلك ما تحيّل به أعداؤهم من البطانة فيما دسّوه للمغنّين من الشّعر احتيالا على إسماعه للخليفة وتحريك حفائظه لهم وهو قوله:

ليت هندا أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا ممّا نجد

واستبدّت مرّة واحدة ... إنّما العاجز من لا يستبد

وإنّ الرّشيد لمّا سمعها قال: «إي والله إنّي عاجز» حتّى بعثوا بأمثال هذه كامن غيرته وسلّطوا عليهم بأس انتقامه نعوذ باللَّه من غلبة الرّجال وسوء الحال.

وأمّا ما تموّه له الحكاية من معاقرة الرّشيد الخمر واقتران سكره بسكر النّدمان فحاشا الله ما علمنا عليه من سوء، وأين هذا من حال الرّشيد وقيامه بما يجب لمنصب الخلافة من الدّين والعدالة وما كان عليه من صحابة العلماء والأولياء ومحاوراته للفضيل بن عياض وابن السّماك والعمريّ ومكاتبته سفيان الثّوريّ وبكائه من مواعظهم ودعائه بمكّة في طوافه وما كان عليه من العبادة والمحافظة على أوقات الصّلوات وشهود الصّبح لأوّل وقتها. حكى الطّبريّ وغيره أنّه كان يصلّي في كلّ يوم مائة ركعة نافلة وكان يغزو عاما ويحجّ عاما ولقد زجر ابن أبي مريم مضحكه في سمره حين تعرّض له بمثل ذلك في الصّلاة لمّا سمعه يقرأ «وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ٣٦: ٢٢» وقال والله ما أدري لم؟ فما تمالك الرّشيد أن ضحك ثمّ التفت إليه مغضبا وقال يا ابن أبي مريم في الصّلاة أيضا إيّاك إيّاك

<<  <  ج: ص:  >  >>