وأتبعهم أبو يزيد إلى باب المهدية ورجع. ثم جاء بعد أيام لقتالهم فوقف على الخندق المحدث، وعليه جماعة من العبيد فقاتلهم ساعة وهزمهم، وجاوز السور إلى البحر ووصل المصلى على رمية سهم من البلد، والبربر يقاتلون من الجانب الآخر. ثم حمل الكتاميون عليهم فهزموهم وبلغ ذلك أبا يزيد، وسمع بوصول زيري بن مناد فاعتزم أن يمرّ بباب المهديّة ويأتي زيري وكتامة من ورائهم فقاتلوا أهل الأرباض، ومالوا عليه لما عرفوه ليقتلوه، وتخلّص بعد الجهد ووصل إلى منزله فوجدهم يقاتلون العبيد كما تركهم فقوي أصحابه وانهزم العبيد. ثم رحل وتأخّر قليلا وحفر على معسكره خندقا واجتمع عليه خلق عظيم من البربر ونفوسة والزاب وأقاصى المغرب، وضيّق على أهل المرية ثم زحف إليها آخر جمادى فقاتلهم وتورّط في قتالها يومه ذلك. ثم خلص وكتب إلى عامل القيروان أن يبعث إليه مقاتلتها، فجاءوا وزحف بهم آخر رجب فانهزم، وقتل من أصحابه. ثم زحف الزحف الرابع آخر شوّال ولم يظفر، ورجع إلى معسكره واشتدّ الحصار على أهل المهديّة حتى أكلوا الميتات والدواب، وافترق أهلها في النواحي، ولم يبق بها إلّا الجند وفتح القائم أهراء [١] الزرع التي أعدّها المهدي وفرّقها فيهم. ثم اجتمعت كتامة وعسكروا بقسنطينة فبعث إليهم أبو يزيد بعثا من وربجومة وغيرهم فهزموا كتامة، ووافت أبا يزيد حشود البربر من كل ناحية وأحاط بسوسة وضيّق عليها. ثم انتقض البربر عليه بما كان منه من المجاهرة بالمحرّمات والمنافسة بينهم فانفضّوا عنه، ورجع إلى القيروان سنة أربع وثلاثين، وغنم أهل المهديّة معسكره، وكثر عبث البربر في أمصار إفريقية وضواحيها، وثار أهل القيروان بهم، وراجعوا طاعة القائم، وجاء عليّ بن حمدون من المسيلة بالعساكر فبيته أيوب بن أبي يزيد وهزمه، وسار إلى تونس وجاءت عساكر القائم فواقعوه مرّات وانهزم إلى القيروان في ربيع سنة أربع وثلاثين. فبعث أيوب ثانية لقتال عليّ بن حمدون ببلطة، وكانت حروبه معه سجالا إلى أن اقتحم عليه البلد بمداخلة بعض أهلها. ولحق ابن حمدون ببلاد كتامة واجتمعت قبائل كتامة ونفزة ومزاتة وعسكروا بقسنطينة. وبعث ابن حمدون العساكر إلى هوارة فأوقعوا بهم، وجاءهم مدد أبي يزيد فلم يغن عنهم. وملك ابن حمدون مدينة يتجست وباغاية. ثم زحف أبو يزيد
[١] قوله: أهراء قال المجد: والهري بالضم بيت كبير يجمع فيه طعام السلطان، الجمع اهراء. انتهى