وثغرا ثغرا إلى أن ألجأ المسلمين إلى سيف البحر ما بين رندة من الغرب والبيرة من شرق الأندلس. نحو عشر مراحل من الغرب الى الشرق وفي مقدار مرحلة أو ما دونها في العرض ما بين البحر والجوف ثم سخط بعد ذلك الشيخ ابن الأحمر وطمع في الاستيلاء على كافة الجزيرة فامتنعت عليه وتلاحق بالأندلس غزاة من زناتة الثائرين يومئذ من بني عبد الواد وتوجين ومغراوة وبني مرين. وكان أعلاهم كعبا في ذلك وأكثرهم غزي بنو مرين، فأجاز أوّلا أولاد إدريس بن عبد الحق وأولاد رحو بن عبد الله بن عبد الحق أعياص الملك منهم سنة ستين أو نحوها، فتقبل ابن الأحمر إجازتهم ودفع بهم في نحر عدوّه، ورجعوا ثم تهايلوا إليه من بعد ذلك من كل بيت من بيوت بني مرين ومعظمهم الأعياص من بني عبد الحق لما تزاحمهم مناكب السلطان في قومهم وتغص بهم الدولة فينزعون إلى الأندلس مغنين بها من بأسهم وشوكتهم في المدافعة عن المسلمين، ويخلصون من ذلك على حظ من الدولة بمكان. ولم يزل الشأن هذا إلى أن هلك محمد بن يوسف بن الأحمر سنة إحدى وسبعين وستمائة، وقام بأمره من بعده ابنه محمد وكان يعرف بالفقيه لما كان يقرأ الكتاب من بين أهل بيته، ويطالع كتب العلم. وكان أبوه الشيخ أوصاه باستصراخ ملوك زناتة من بني مرين الدائلين بالمغرب من الموحّدين وأن يوثق عهده بهم ويحكم أراضي سلطانه بمداخلتهم، فأجاز محمد الفقيه ابن الأحمر إلى يعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين سنة اثنتين وسبعين وستمائة عند ما تم استيلاؤه على بلاد المغرب، وتغلّبه على مراكش، وافتقاده سرير ملك الموحّدين بها فأجاب صريخه، وأجاز عساكر المسلمين من بني مرين وغيرهم إلى الجهاد مع ابنه منديل. ثم جاء على أثرهم وأمكنه ابن هشام من الجزيرة الخضراء، كان ثائرا بها فتسلّمها منه ونزل بها، وجعلها ركابا لجهاده وينزل بها جيش الغزو. ولما أجاز سنة اثنتين وسبعين كما قلناه هزم زعيم النصرانية، ثم حذره ابن الأحمر على ملكه فداخل الطاغية. ثم حذّر الطاغية فراجعه وهو مع ذلك يده في نحره بشوكة الأعياص الذين نزعوا إليه من بني مرين بما شاركوا صاحب المغرب من نسب ملكه وقاسموه في يعسوبية قبيلته، فكان له بذلك مدفع عن نفسه ومرض في طاعة قرابته من بني أشقيلولة، كان عبد الله منهم بمالقة وعلي بوادي آش وإبراهيم بحصن قمارش فالتاثوا عليه، وداخلوا يعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين في المظاهرة عليه فكان له معهم فتنة، وأمكنوا يعقوب من الثغور التي