للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرج الحسن للقائهم، فأصابته الحمى من الفرح فمات، وحزن الناس عليه، وولي ابنه أحمد باتفاق أهل صقلّيّة بعد أن ولى المعز عليهم يعيش مولى الحسن فلم ينهض بالأمر، ووقعت الفتنة بين كتامة والقبائل، وعجز عن تسكينها. وبلغ الخبر إلى المعز فولى عليها أبا القاسم علي بن الحسن نيابة عن أخيه أحمد. ثم توفي أحمد بطرابلس سنة تسع وخمسين واستبد بالإمارة أخوه أبو القاسم علي، وكان مدلا محبا. وسار إليه سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة ملك الفرنج في جموع عظيمة، وحصر قلعة رمطة وملكها، وأصاب سرايا المسلمين. وسار الأمير أبو القاسم في العساكر من بليرم يريدهم، فلما قاربهم خام عن اللقاء ورجع، وكان الأفرنج في الأسطول يعاينونه فبعثوا بذلك للملك بردويل فسار في اتباعه وأدركه فاقتتلوا، وقتل أبو القاسم في الحرب. وأهم المسلمين أمرهم فاستماتوا، وقاتلوا الفرنج فهزموهم أقبح هزيمة، ونجا بردويل إلى خيامه برأسه، وركب البحر إلى رومة. وولى المسلمون عليهم بعد الأمير أبي القاسم ابنه جابر فرحل بالمسلمين لوقته راجعا، ولم يعرج على الغنائم. وكانت ولاية الأمير أبي القاسم اثنتي عشرة سنة ونصفا. وكان عادلا حسن السيرة. ولما ولي ابن عمه جعفر بن محمد بن علي بن أبي الحسن، وكان من وزراء العزيز وندمائه استقامت الأمور، وحسنت الأحوال. وكان يحب أهل العلم ويجزل الهبات لهم.

وتوفي سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وولي أخوه عبد الله فاتبع سيرة أخيه إلى أن توفي سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، وولي ابنه ثقة الدولة أبو الفتوح يوسف بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي الحسن، فأنسى بجلائله وفضائله من كان قبله منهم إلى أن أصابه الفالج، وعطل نصفه الأيسر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. وولي ابنه تاج الدولة جعفر بن ثقة الدولة يوسف، فضبط الأمور وقام بأحسن قيام وخالف عليه أخوه علي سنة خمس وأربعمائة مع البربر والعبيد، فزحف إليه جعفر فظفر به وقتله، ونفى البربر والعبيد، واستقامت أحواله. ثم انقلبت حاله واختلت على يد كاتبه ووزيره حسن بن محمد الباغاني فثار عليه الناس بسببها، وجاءوا حول القصر، وأخرج إليهم أبو الفتوح في محفة فتلطف بالناس، وسلم إليهم الباغاني فقتلوه، وقتلوه حافده أبا رافع، وخلع ابنه ابن جعفر، ورحل إلى مصر، وولى ابنه ابن جعفر سنة عشرة واربعمائة ولقبه بأسد الدولة بن تاج الدولة. ويعرف بالأكحل فسكن الاضطراب واستقامت الأحوال، وفوّض الأمور إلى ابنه ابن جعفر وجعل مقاليد الأمور بيده

<<  <  ج: ص:  >  >>