للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقرائن وتأخير الحكم إلى استجلاء الحقّ وحمل الخصمين على الصّلح واستحلاف الشّهود وذلك أوسع من نظر القاضي.

وكان الخلفاء الأوّلون يباشرونها بأنفسهم إلى أيّام المهتدي من بني العبّاس وربّما كانوا يجعلونها لقضاتهم كما فعل عمر رضي الله عنه مع قاضيه أبي إدريس الخولانيّ وكما فعله المأمون ليحيى بن أكثم والمعتصم لأحمد بن أبي داود وربّما كانوا يجعلون للقاضي قيادة الجهاد في عساكر الطّوائف [١] وكان يحيى بن أكثم يخرج أيّام المأمون بالطّائفة إلى أرض الرّوم وكذا منذر بن سعيد قاضي عبد الرّحمن النّاصر من بني أميّة بالأندلس فكانت تولية هذه الوظائف إنّما تكون للخلفاء أو من يجعلون ذلك له من وزير مفوّض أو سلطان متغلّب. وكان أيضا النّظر في الجرائم وإقامة الحدود في الدّولة العبّاسيّة والأمويّة بالأندلس والعبيديّين بمصر والمغرب راجعا إلى صاحب الشّرطة وهي وظيفة أخرى دينيّة كانت من الوظائف الشّرعيّة في تلك الدّول توسّع النّظر فيها عن أحكام القضاء قليلا فيجعل للتّهمة في الحكم مجالا ويفرض العقوبات الزّاجرة قبل ثبوت الجرائم ويقيم الحدود الثّابتة في محالّها ويحكم في القود [٢] والقصاص ويقيم التّعزير والتّأديب في حقّ من لم ينته عن الجريمة.

ثمّ تنوسي شأن هاتين الوظيفتين في الدّول الّتي تنوسي فيها أمر الخلافة فصار أمر المظالم راجعا إلى السّلطان كان له تفويض من الخليفة أو لم يكن وانقسمت وظيفة الشّرطة قسمين منها وظيفة التّهمة على الجرائم وإقامة حدودها ومباشرة القطع والقصاص حيث يتعيّن ونصب لذلك في هذه الدّول حاكم يحكم فيها بموجب السياسة دون مراجعة الأحكام الشّرعيّة ويسمّى تارة باسم الوالي وتارة باسم الشّرطة وبقي قسم التّعازير وإقامة الحدود في الجرائم الثّابتة شرعا فجمع


[١] ربّما تكون محرّفة من الصوائف: أي الغزو أثناء الصيف.
[٢] القود: قتل القاتل بدل القتيل (منجد) .

<<  <  ج: ص:  >  >>