للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن لا قدرة له عليه فلا حلّ له ولا عقد لديه. اللَّهمّ إلّا أخذ الأحكام الشّرعيّة عنهم، وتلقّي الفتاوى منهم فنعم والله الموفّق. وربّما يظنّ بعض النّاس أنّ الحقّ فيما وراء ذلك وأنّ فعل الملوك فيما فعلوه من إخراج الفقهاء والقضاة من الشّورى مرجوح وقد قال صلّى الله عليه وسلّم «العلماء ورثة الأنبياء» فاعلم أنّ ذلك ليس كما ظنّه [١] وحكم الملك والسّلطان إنّما يجري على ما تقتضيه طبيعة العمران وإلّا كان بعيدا عن السّياسة. فطبيعة العمران في هؤلاء لا تقضي لهم شيئا من ذلك لأنّ الشّورى والحلّ والعقد لا تكون إلّا لصاحب عصبيّة يقتدر بها على حلّ أو عقد أو فعل أو ترك، وأمّا من لا عصبيّة له ولا يملك من أمر نفسه شيئا ولا من حمايتها وإنّما هو عيال على غيره فأيّ مدخل له في الشّورى أو أيّ معنى يدعو إلى اعتباره فيها؟ اللَّهمّ إلّا شوراه فيما يعلمه من الأحكام الشّرعيّة فموجودة في الاستفتاء خاصّة. وأمّا شوراه في السّياسة فهو بعيد عنها لفقدانه العصبيّة والقيام على معرفة أحوالها وأحكامها وإنّما إكرامهم من تبرّعات الملوك والأمراء الشّاهدة لهم بجميل الاعتقاد في الدّين وتعظيم من ينتسب إليه بأيّ جهة انتسب وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم «العلماء ورثة الأنبياء» فاعلم أنّ الفقهاء في الأغلب لهذا العهد وما احتفّ به إنّما حمّلوا الشّريعة أقوالا في كيفيّة الأعمال في العبادات وكيفيّة القضاء في المعاملات ينصّونها على من يحتاج إلى العمل بها هذه غاية أكابرهم ولا يتّصفون إلّا بالأقلّ منها وفي بعض الأحوال والسّلف رضوان الله عليهم وأهل الدّين والورع من المسلمين حملوا الشّريعة اتّصافا بها وتحقّقا بمذاهبها. فمن حملها اتّصافا وتحقّقا دون نقل فهو من الوارثين مثل أهل رسالة القشيريّ ومن اجتمع له الأمران فهو العالم وهو الوارث على الحقيقة مثل فقهاء التّابعين والسّلف والأئمّة الأربعة ومن اقتفى طريقهم وجاء على أثرهم وإذا انفرد واحد من الأمّة بأحد الأمرين فالعابد أحقّ بالوراثة من الفقيه الّذي ليس بعابد لأنّ العابد ورث بصفة والفقيه الّذي ليس بعابد لم يرث


[١] الضمير يعود إلى الناس أو العامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>