للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ذلك ولو بعضهم كلّا والله إنّما صدرت هذه الكلمات من بني العبّاس أقتالهم [١] ومن بني الأغلب عمّالهم كانوا بإفريقيّة وولاتهم.

وذلك أنّه لمّا فرّ إدريس الأكبر إلى المغرب من وقعة بلخ أوعز الهادي إلى الأغالبة أن يقعدوا له بالمراصد ويذكوا عليه العيون فلم يظفروا به وخلص إلى المغرب فتمّ امره وظهرت دعوته وظهر الرّشيد من بعد ذلك على ما كان من واضح مولاهم وعاملهم على الاسكندريّة من دسيسة التّشيّع للعلويّة وإدهانه [٢] في نجاة إدريس إلى المغرب فقتله ودسّ الشّمّاخ من موالي المهديّ أبيه للتّحيّل على قتل إدريس فأظهر اللّحاق به والبراءة من بني العبّاس مواليه فاشتمل عليه إدريس وخلطه بنفسه وناوله الشّمّاخ في بعض خلواته سمّا استهلكه به [٣] ووقع خبر مهلكه من بني العبّاس أحسن المواقع لما رجوه من قطع أسباب الدّعوة العلويّة بالمغرب واقتلاع جرثومتها ولمّا تأدّى إليهم خبر الحمل المخلّف لإدريس فلم يكن لهم إلّا كلا ولا [٤] وإذا بالدّعوة قد عادت والشّيعة بالمغرب قد ظهرت ودولتهم بإدريس بن إدريس قد تجدّدت فكان ذلك عليهم أنكى من وقع السّهام وكان الفشل والهرم قد نزلا بدولة العرب عن أن يسموا إلى القاصية فلم يكن منتهى قدرة الرّشيد على إدريس الأكبر بمكانه من قاصية المغرب واشتمال البربر عليه إلّا التّحيّل في إهلاكه بالسّموم فعند ذلك فزعوا إلى أوليائهم من الأغالبة بإفريقية في سدّ تلك الفرجة من ناحيتهم وحسم الدّاء المتوقّع بالدّولة من قبلهم واقتلاع تلك العروق قبل أن تشج [٥] منهم يخاطبهم بذلك المأمون ومن بعده من خلفائهم فكان الاغالبة عن برابرة المغرب الأقصى أعجز ولمثلها من الزّبون [٦]


[١] جمع قتل وهو العدو المقابل.
[٢] بمعنى الغش.
[٣] بمعنى أهلكه.
[٤] كذا في جميع النسخ، وأظن أنها محرفة عن كلالة أي الوارث الّذي ليس بولد للميت ولا والد له.
[٥] بمعنى تمتد وترسخ.
[٦] يقال للناقة إذا كان من عادتها أن تدفع حالبها عن حلبها: «زبون» (لسان العرب) وقد استعملت هنا بمعنى الأشخاص الذين يدافعون عن الملوك. وان كان هذا الاستعمال ضعيفا. وقد تكررت هذه العبارة بنصها عدة مرات في تاريخ ابن خلدون، لذلك لا يمكننا أن نقول أن ابن خلدون قصد بها كلمة سواها.

<<  <  ج: ص:  >  >>