للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ملوكهم أحوج لما طرق الخلافة من انتزاء [١] ممالك العجم على سدّتها وامتطائهم صهوة التّغلّب عليها وتصريفهم أحكامها طوع أغراضهم في رجالها وجبايتها وأهل خططها [٢] وسائر نقضها وإبرامها كما قال شاعرهم:

خليفة في قفص ... بين وصيف وبغا

يقول ما قالا له ... كما تقول الببغا

فخشي هؤلاء الأمراء الأغالبة بوادر السّعايات وتلوا بالمعاذير فطورا باحتقار المغرب وأهله وطورا بالإرهاب بشأن إدريس الخارج به ومن قام مقامه من أعقابه يخاطبونهم بتجاوزه حدود التّخوم من عمله وينفذون سكّته في تحفهم وهداياهم ومرتفع جباياتهم تعريضا باستفحاله وتهويلا باشتداد شوكته وتعظيما لما دفعوا إليه من مطالبته ومراسه وتهديدا بقلب الدّعوة إن ألجئوا إليه وطورا يطعنون في نسب إدريس بمثل ذلك الطّعن الكاذب تخفيضا لشأنه لا يبالون بصدقة من كذبه لبعد المسافة وأفن عقول من خلّف من صبية بني العبّاس وممالكهم العجم في القبول من كلّ قائل والسّمع لكلّ ناعق ولم يزل هذا دأبهم حتّى انقضى أمر الأغالبة فقرعت هذه الكلمة الشّنعاء أسماع الغوغاء وصرّ عليها بعض الطّاعنين أذنه واعتدّها ذريعة إلى النّيل من خلفهم عند المنافسة. وما لهم قبّحهم الله والعدول عن مقاصد الشّريعة فلا تعارض فيها بين المقطوع والمظنون وإدريس ولد على فراش أبيه والولد للفراش.

على أنّ تنزيه أهل البيت عن مثل هذا من عقائد أهل الإيمان فاللَّه سبحانه قد أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ففراش إدريس طاهر من الدّنس ومنزه عن الرّجس بحكم القرآن ومن اعتقد خلاف هذا فقد باء بإثمه وولج الكفر من بابه وإنّما أطنبت في هذا الرّد سدّا لأبواب الرّيب ودفعا في صدر الحاسد لما


[١] بمعنى الثوب.
[٢] الخطة: الأرض. والدار يختطها الرجل في أرض غير مملوكة ليتحجرها ويبني فيها وذلك إذا أذن السلطان (لسان العرب) وعنى بها ابن خلدون هنا: بالموظفين المشرفين على أعمال الخطط.

<<  <  ج: ص:  >  >>