الظاهر على أحياء العرب بالشام عند ما استفحل أمر الترك وسار إلى دمشق لتشييع الخليفة الحاكم عم المستعصم لبغداد فولى العرب عيسى بن مهنا بن مانع ووفر له الإقطاعات على حفظ السابلة وحبس ابن عمه زامل بن علي بن ربيعة من آل علي لإعناته وأعراضه ولم يزل أميرا على أحياء العرب وصلحوا في أيامه لأنه خالف أباه في الشدّة عليهم وهرب إليه سنقر الأشقر سنة تسع وتسعين وكاتبوا أبغا واستحثوه لملك الشام وتوفي عيسى بن مهنا سنة أربع وثمانين فولى المنصور قلاون بعده ابنه مهنا ثم سار الأشرف بن قلاون إلى الشام ونزل حمص ووفد عليه مهنا بن عيسى في جماعة من قومه فقبض عليه وعلى ابنه موسى وأخويه محمد وفضل ابني عيسى بن مهنا وبعث بهم إلى مصر فحبسوا بها حتى أفرج عنهم العادل كيبغا عند ما جلس على التخت سنة أربع وتسعين ورجع إلى إمارته ثم كان له في أيام الناصر نفرة واستجاشة وميل إلى ملوك التتر بالعراق ولم يحضر شيئا من وقائع غازان ولما انتقض سنقر وأقوش الأفرم وأصحابهما سنة اثنتي عشرة وسبعمائة لحقوا به وساروا من عنده إلى خربندا واستوحش هو من السلطان وأقام في أحيائه منقبضا عن الوفادة ووفد أخوه فضل سنة اثنتي عشرة فرعى له حق وفادته وولاه على العرب مكان أخيه مهنا وبقي مهنا مشرّدا ثم لحق سنة ست عشرة بخربندا ملك التتر فأكرمه وأقطعه بالعراق وهلك خربندا في تلك السنة فرجع إلى أحيائه وأوفد ابنيه أحمد وموسى وأخاه محمد بن عيسى مستعتبين للناصر ومتطارحين عليه فأكرم وفادتهم وأنزلهم بالقصر الأبلق وشملهم بالإحسان وأعتب مهنا ورده على إمارته وإقطاعه وذلك سنة سبع عشرة وحج هذه السنة ابنه عيسى وأخوه محمد وجماعة من آل فضل اثنا عشر ألف راحلة ثم رجع مهنا إلى ديدنه في ممالأة التتر والإجلاب على الشام واتصل ذلك منه فنقم السلطان عليه وسخطه قومه أجمع وكتب إلى نواب الشام سنة عشرين بعد مرجعه من الحج فطرد آل فضل عن البلاد وأدال منهم آل علي عديدة نسبهم وولي منهم على أحياء العرب محمد بن أبي بكر وصرف إقطاع مهنا وولده إلى محمد وولده فأقام مهنا على ذلك مدّة ثم وفد سنة إحدى وثلاثين مع الأفضل بن المؤيد صاحب حماة متوسلا به ومتطارحا على السلطان فأقبل عليه وردّ عليه إقطاعه وإمارته وذكر لي بعض أكابر الأمراء بمصر ممن أدرك وفادته أو حدّث عنها أنه تجافى في هذه الوفادة عن قبول شيء من السلطان حتى أنه ساق من النياق المحلوبة واستقاها وأنه لم يغش باب أحد من أرباب الدولة ولا سألهم شيئا من حاجته ثم رجع إلى أحيائه وتوفي سنة أربع وثلاثين فولي ابنه مظفر الدين موسى وتوفي سنة اثنتين وأربعين عقب مهلك الناصر وولي مكانه أخوه سليمان ثم هلك سليمان