للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهادهم بنفسه فاقتلع الدّولة من أصولها وجعل عاليها سافلها أعظم ما كانت قوّة وأشدّ شوكة وأعزّ أنصارا وحامية وتساقطت في ذلك من أتباعه نفوس لا يحصيها إلّا خالقها وقد بايعوه على الموت ووقوه بأنفسهم من الهلكة وتقرّبوا إلى الله تعالى بإتلاف مهجهم في إظهار تلك الدّعوة والتّعصّب لتلك الكلمة حتّى علت على الكلم ودالت بالعدوّتين من الدّول وهو بحالة من التّقشّف والحصر [١] والصّبر على المكاره والتّقلّل من الدّنيا حتّى قبضه الله وليس على شيء من الحظّ والمتاع في دنياه حتّى الولد الّذي ربّما تجنح إليه النّفوس وتخادع عن تمنّيه فليت شعري ما الّذي قصد بذلك إن لم يكن وجه الله وهو لم يحصل له حظّ من الدّنيا في عاجله ومع هذا فلو كان قصده غير صالح لما تمّ أمره وانفسحت دعوته سنّة الله الّتي قد خلت في عباده وأمّا إنكارهم نسبه في أهل البيت فلا تعضده [٢] حجّة لهم مع أنّه إن ثبت أنّه ادّعاه وانتسب إليه فلا دليل يقوم على بطلانه لأنّ النّاس مصدّقون في أنسابهم وإن قالوا إنّ الرّئاسة لا تكون على قوم في غير أهل جلدتهم كما هو الصّحيح حسبما يأتي في الفصل الأوّل من هذا الكتاب والرّجل قد رأس سائر المصامدة ودانوا باتّباعه والانقياد إليه وإلى عصابته من هرغة حتّى تمّ أمر الله في دعوته فاعلم أنّ هذا النّسب الفاطميّ لم يكن أمر المهديّ يتوقّف عليه ولا اتّبعه النّاس بسببه وإنّما كان اتّباعهم له بعصبيّة الهرغيّة والمصموديّة ومكانه منها ورسوخ شجرته فيها وكان ذلك النّسب الفاطميّ خفيّا قد درس عند النّاس وبقي عنده وعند عشيرته يتناقلونه بينهم فيكون النّسب الأوّل كأنّه انسلخ منه ولبس جلدة هؤلاء وظهر فيها فلا يضرّه الانتساب الأوّل في عصبيّته إذ هو مجهول عند أهل العصابة ومثل هذا واقع كثيرا إذا كان النّسب الأوّل خفيّا وانظر قصّة عرفجة وجرير في رئاسة بجيلة وكيف كان عرفجة من الأزد ولبس جلدة بجيلة حتّى تنازع مع جرير رئاستهم عند عمر رضي الله عنه كما هو مذكور تتفهّم منه وجه


[١] بمعنى الامتناع عن النساء.
[٢] عضده: بكسر الضاد: بمعنى أعانه وكان له عضدا (لسان العرب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>