سائر أيامهم. ثم افترق جمع الأثبج وذهبت بذهاب صنهاجة دولتهم. ولما غلب الموحّدون سائر الدول بالمغرب في سني إحدى وأربعين وخمسمائة، وزحف شيخ الموحّدين عبد المؤمن إلى إفريقية، وفد عليه بالجزائر أميران منهم لذلك العهد أبو الجليل بن شاكر أمير الأثبج وحبّاس بن مشيفر من رجالات جشم، فتلقّاهما بالمبرّة وعقد لهما على قومهما ومضى لوجهه. وفتح بجاية سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
ثم انتقض العرب الهلاليون على دعوة صنهاجة، وكان أمير رياح فيهم محرز بن زناد ابن بادخ [١] إحدى بطون بني علي بن رياح، فلقيتهم جيوش الموحّدين بسطيف وعليهم عبد الله بن عبد المؤمن فتوافقوا ثلاثا علقوا فيهما رواحلهم، وأثبتوا في مستنقع الموت أقدامهم، ثم انتقض في الرابعة جمعهم واستلحمهم الموحّدون وغلبوا عليهم، وغنموا أموالهم وأسروا رجالهم وسبوا نساءهم واتبعوا أدبارهم إلى محصن سبتة. ثم راجعوا من بعد ذلك بصائرهم واستكانوا لعزّ الموحّدين وغلبهم، فدخلوا في دعوتهم وتمسّكوا بطاعتهم، وأطلق عبد المؤمن أسراهم ولم يزالوا على استقامتهم، ولم يزل الموحدون يستنفرونهم في جهادهم بالأندلس، وربما بعثوا إليهم في ذلك المخاطبات الشعرية، فأجازوا مع عبد المؤمن ويوسف ابنه كما هو في أخبار دولتهم. ولم يزالوا في استقامتهم إلى أن خرج عن الدولة بنو غانية المسوّفيون أمراء ميورقة، أجازوا البحر في أساطيلهم إلى بجاية فكسبوها سنة إحدى وثمانين وخمسمائة لأوّل دولة المنصور، وكشفوا القناع في نقض طاعة الموحّدين، ودعوا العرب بها، فعادت هيف إلى أديانها.
وكانت قبائل جشم ورياح وجمهور الأثبج من هؤلاء الهلاليين أسرع إجابة إليها. ولما تحرّكت جيوش الموحّدين إلى إفريقية لكفّ عدوانهم، تحيّزت قبائل زغبة إليهم، وكانوا في جملتهم، ولحق بنو غانية بفاس ومعهم كافة جشم ورياح، ولحق بهم جلّ قومهم من مسوفة وإخوانهم لمتونة من أطراف البقاع، واستمسكوا بالدعوة العبّاسية التي كان أمراؤهم بنو تاشفين بالمغرب يتمسّكون بها، فأقاموها فيمن إليهم من القبائل والمسالك ونزلوا بفاس، وطلبوا من الخليفة ببغداد المستنصر تجديد العهد لهم بذلك، وأوفدوا عليه كاتبهم عبد البر بن فرسان، فعقد لابن غانية وأذن له في حرب الموحّدين. واجتمعت إليه قبائل بني سليم بن منصور، وكانوا جاءوا على أثر الهلاليين
[١] وفي النسخة التونسية: محرز بن زناد بن فارغ وكذلك قبائل المغرب ص ٣٩٧.