للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند إجازتهم إلى إفريقية. وظاهره على أمره ذلك قراقوش الأرمني. ونذكر أخباره في أخبار الميروقي [١] فاجتمع لعلي بن غانية من الملثّمين والعرب والعجم عساكر جمّة، وغلب الضواحي وافتتح بلاد الجريد، وملك قفصة وتوزر ونفطة. ونهض اليه المنصور من مراكش يجرّ أمم المغرب من زناتة والمصامدة وزغبة من الهلاليين وجمهور الأثبج، فأوقعوا بمقدّمته بفحص غمرة من جهات قفصة. ثم زحف إليهم من تونس فكانت الكرّة عليهم، وفلّ جمعهم واتبع آثارهم إلى أن شرّدهم إلى صحاري برقة، وانتزع بلاد قسنطينة وقابس وقفصة من أيديهم، وراجعت قبائل جشم ورياح من الهلاليّين طاعته ولاذوا بدعوته فنفاهم إلى المغرب الأقصى. وأنزل جشم ببلاد تامسنا [٢] ، ورياحا ببلاد الهبط، وأزغار مما يلي سواحل طنجة إلى سلا.

وكانت تخوم بلاد زناتة منذ غلبهم الهلاليون على إفريقية وضواحيها أرض مصاب ما بين صحراء إفريقية وصحراء المغرب الأوسط، وبها قصور جدّدها فسميت باسم من ولي خطّتها من شعوبهم. وكان بنو بادين وزناتة وهم بنو عبد الواد وتوجين ومصاب وبقوز ودال وبنو راش [٣] شيعة الموحّدين منذ أول دولتهم، فكانوا أقرب إليهم من أمثالهم بنو مرين وأنظارهم كما يأتي. وكانوا يتولّون من أرياف المغرب الأوسط وتلوله ما ليس يليه أحد من زناتة، ويجوسون خلاله في رحلة الصيف بما لم يؤذن لأحد ممن سواهم في مثله حتى كأنهم من جملة عساكر الموحّدين وحاميتهم. وأمرهم إذ ذاك راجع إلى صاحب تلمسان من سادة القرابة، ونزل هذا الحي من زغبة مع بني بادين هؤلاء لما اعتزلوا إخوانهم الهلاليّين وتحيّزوا إلى فئتهم، وصاروا جميعا قبلة المغرب الأوسط من مصاب إلى جبل راشد، بعد أن كان قسمتهم الأولى بقابس وطرابلس.

وكانت لهم حروب مع أولاد خزرون أصحاب طرابلس. وقتلوا سعيد بن خزرون فصاروا إلى هذا الوطن الآخر لفتنة ابن غانية، وانحرافهم عنه إلى الموحّدين وانعقد ما بينهم وبين بني بادين حلف على الجوار والذبّ عن الأوطان وحمايتها من معرة العدوّ في


[١] وفي نسخة ثانية: الميورقي.
[٢] إقليم مغربي قديم كان يمتد من نهرابي رقراق إلى وادي أم الربيع، وقد اندثر اليوم هذا الاسم وبقي ما يذكر به كباب تامسنا بالرباط. والنسبة اليه مسناوي (قبائل المغرب ص ١١٧) .
[٣] هكذا بالأصل وفي نسخة اخرى: وبنو زردال وبنو راشد.

<<  <  ج: ص:  >  >>