يقيمونه بينهم في الفتيا في الأحكام والعبادات، فوقع نظرهم على الفقيه أبي عبد الله محمد بن الأزرق من فقهاء مقرة. وكان أخذ العلم ببجاية على أبي محمد الزواوي من كبار مشيختها، فقصدوه بذلك وأجابهم وارتحل معهم. ونزل على حسن بن سلامة شيخ أولاد طلحة، واجتمع إليه السنية واستفحل بهم جانب أولاد سباع، واجتمعوا على الزاب وحاربوا علي بن أحمد طويلا.
وكان السلطان أبو تاشفين حين كان يجلب على أوطان الموحدين ويخيب عليهم أولياءهم من العرب، يبعث إلى هؤلاء السنية بالجوائز يستدعي بذلك ولايتهم.
ويبعث معهم للفقيه أبي الأزرق بجائزة معلومة في كل سنة. ولم يزل ابن الأزرق مقيما لرسمهم إلى أن غلبهم على أمرهم ذلك علي بن أحمد شيخ أولاد محمد. وهلك حسن بن سلامة وانقرض أمر السنية من رياح. ونزل ابن الأزرق بسكرة فاستدعاه يوسف بن مزني لقضائها تفريقا لأمر السنية، فأجابه ونزل عنده، فولاه القضاء ببسكرة إلى أن هلك سنة [١] .
ثم قام علي بن أحمد بهذه السنية بعد حين ودعا إليها، وجمع لابن مزني سنة أربعين وسبعمائة، ونزل بسكرة وجاءه مدد أهل ريغ، وأقام محاصرا لها أشهرا. وامتنعت عليه فأقلع عنها وراجع يوسف بن مزني وصاروا إلى الولاية إلى أن هلك علي بن أحمد وبقي من عقب سعادة في زاويته بنون وحفدة يوجب لهم ابن مزني الرعاية، وتعرف لهم أعراب الفلاة من رياح حقا في إجازة من يجيزونه من أهل السابلة. وبقي هؤلاء الزواودة ينزع بعضهم أحيانا إلى إقامة هذه الدعوة، فيأخذون بها أنفسهم غير متصفين من الدين والتعمق في الورع بما يناسبها ويقضي حقها، بل يجعلونها ذريعة لأخذ الزكوات من الرعايا، ويتظاهرون بتغيير المنكر يسرون بذلك حسدا في ارتقاء، فينحل أمرهم بذلك، وتخفق مساعيهم، ويتنازعون على ما تحصل بأيديهم ويعترفون على غير شيء. والله متولي الأمور لا إله إلا هو سبحانه يحيى ويميت.
[١] بياض بالأصل في جميع النسخ، ولم نهتد إلى سنة وفاته في المراجع التي بين أيدينا.