محمد بن أبي الليل، وكفل مولاهم وحمزة ابن أخيه عمر. وكان عمر مضعفا عاجزا فنازعه أولاد مهلهل ابن عمه قاسم وهم: محمد ومسكيانه ومرغم وطالب وعون في آخرين لم يحضرني أسماؤهم، فترشحوا للاستبداد على قومهم ومجاذبة محمد ابن عمهم أبي الليل حبل الرئاسة فيهم. ولم يزالوا على ذلك سائر أيامهم.
ولما ظهر هراج بن عبيد بن أحمد بن كعب وعظم ضغائنه وعتوه وإفساد الأعراب من أحيائه السابلة، وساء أثره في ذلك، وأسف السلطان بالاعتزاز عليه والاشتراط في ماله. وتوغلت له صدور الغوغاء والعامة، فوفد على تونس عام خمسة وسبعمائة ودخل المسجد يوم الجمعة لابسا خفيه، ونكر الناس عليه وطأه بين الله بخف لم ينزعه. وربما قال له في ذلك بعض المصلين إلى جنبه، فقال: إني أدخل بها بساط السلطان فكيف الجامع؟ فاستعظم الناس كلمته وثاروا به لحينه فقتلوه في المسجد وأرضوا الدولة بفعلهم. وكان أمره مذكورا.
وقتل السلطان بعد ذلك أخاه كيسان وابن عمه شبل بن منديل بن أحمد. وقام بأمر الكعوب من بعد محمد بن أبي الليل وهراج بن عبيد مولاهم وحمزة أبناء عمر، واستبد برياسة البدو من سليم بإفريقية على مزاحمة من بني عمهم مهلهل بن قاسم وأمثالهم وفحول سواهم. وانتقض أحمد بن أبي الليل وابن أخيه مولاهم بن عمر على السلطان سنة سبع وسبعمائة، واستدعى عثمان بن أبي دبوس من مكانه بوطن ذباب، فجاءه وأجلب له على تونس. ونزل كدية الصعتر بظاهرها. وبرز إليهم الوزير أبو عبد الله بن برزيكن [١] فهزمهم، واستخدم أحمد بن أبي الليل.
ثم تقبض عليه واعتقل بتونس إلى أن هلك. ووفد بعد ذلك مولاهم ابن عمر سنة ثمان وسبعمائة فاعتقل معه، ولحق أخوه حمزة بالأمير أبي البقاء خالد ابن الأمير زكريا صاحب الثغر الغربي من إفريقية بين يدي مهلك السلطان أبي عصيدة، ومعه أبو علي بن كثير ويعقوب بن الفرس وشيوخ بني سليم هؤلاء. ورغبوا الأمير أبا البقاء في ملك الحضرة. وجاءوا في صحبته، وأطلق أخاه مولاهم من الاعتقال منذ دخول السلطان تونس سنة عشر وسبعمائة كما نذكره في خبره.
ثم لحق حمزة بالسلطان أبي يحيى زكريا ابن اللحياني واتصلت به يده فرفعه على سائر العرب حتى لقد نفس ذلك عليه أخوه مولاهم. ونزع إلى السلطان أبي يحيى