واعتز على السلطان أبي إسحاق ابن السلطان أبي يحيى صاحب تونس لعهده اعتزازا لا كفاء له.
وانبسطت أيدي العرب على الضاحية وأقطعتهم الدولة حتى الأمصار وألقاب الجباية ومختص الملك، وانتفضت الأرض من أطرافها ووسطها، وما زالوا يغالبون الدولة حتى غلبوا على الضاحية، وقاسموهم في جبايات الأمصار بالأقطاع ريفا وصحراء وتلولا وجريدا. ويحرضون بين أعياص الدولة ويجلبون بهم على الحضرة لما يعطونه طعمة من الدولة. ويرميهم السلطان باقتالهم أولاد مهلهل بن قاسم بن أحمد يديل به منهم حتى أحفظوها. ويحرش بينهم بقضاء أوطارها حتى إذا أراد الله إنقاذ الأمّة من هوة الخسف وتخليصهم من مكاره الجوع والخوف، وإدالتهم من ظلمات الموت بنور الاستقامة، بعث همة السلطان أمير المؤمنين أبي العباس أحمد أيده الله لطلب إرثه من الخلافة. فبعث من بالحضرة فانبعث لها من مكان إمارته بالثغر العربيّ، ونزل إليه أمير البدو ومنصور بن حمزة هذا، وذلك سنة إحدى وسبعين وسبعمائة على حين مهلك السلطان أبي إسحاق مقتعد كرسي الحضرة وصاحب عصا الخلافة والجماعة.
وقام ابنه خالد بالأمر من بعده فنهض إلى إفريقية ودخل تونس عنوة، واستولى على الحضرة سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة بعدها، وأرهف حدّه للعرب في الاعتزاز عليهم وقبض أيديهم عن المفاسد وذويهم، فحدثت لمنصور نفرة عن الدولة، ونصب الأمير أبو يحيى زكريا ابن السلطان ابن أبي يحيى جدّهم الأكبر، كان في أحياء العرب منذ سنين كما نذكر ذلك كله في اخبار الدولة، وأجلب به على تونس سنة ثلاث وسبعين، فامتنعت عليهم ولم يظفروا بشيء وراجع منصور حاله عند السلطان، وكشف عن وجه المناصحة. وكان عشيرته قد ملوا منه حسدا ومنافسة بسوء ملكته عليهم، فغدا عليه محمد ابن أخيه أبي الليل وطعنه فأشواه، وهلك ليومه سنة خمس وسبعين، وافترق جمعهم.
وقام بأمرهم من بعده صولة ابن أخيه خالد بن حمزة، ويرادفه أولاد مولاهم بن عمر، فجهد بعض الشيء في خدمة السلطان ومناصحته. ثم رجع إلى العصيان وكشف القناع في الخلاف، واتصل حاله على ذلك ثلاثا، وأدال السلطان منه ومن قومه باقتالهم أولاد مهلهل، ورياستهم لمحمد بن طالب، فرجع إليهم رياسة البدو، وجعل لهم المنع والإعطاء فيهم ورفع رتبهم على العرب، وتحيز إليه معهم أولاد