للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مولاهم بن عمر بن أبي الليل، ونقلت أولاد حمزة سائر هذه الأيام في الخلاف، ونهض السلطان سنة ثمانين وسبعمائة إلى بلاد الجريد لتقديم رؤسائها عن المراوغة، وحملهم على جادّة الطاعة، فتعرضوا لمدافعته عنها بإملاء هؤلاء الرؤساء ومشارطتهم لهم على ذلك، وبعد أن جمعوا له الجموع من دومان [١] العرب الأعراب وذياب البدو، فغلبهم عليها جميعا، وأزاحهم عن ضواحيها، وظفر بفرائسة من أولئك الرؤساء، وأصبحوا بين معتقل ومشرد. واستولى على قصورهم وذخائرهم، وأبعد أولاد حمزة وأحلافهم من حكيم المفر، وجاوزوا تخوم بلادهم من جهة المغرب، واعتزت عليهم الدولة اعتزازا لا كفاء له، فنامت الرعايا في ظل الأمن وانطلقت منهم أيدي الاعتمار والمعاش وصلحت السابلة بعد الفساد، وانفتحت أبواب الرحمة على العباد.

وقد كان اعتزاز هؤلاء العرب على السلطان والدولة لا ينتهي إليه اعتزاز، ولهم عنجهية وإباية وخلق في التكبر الّذي هو غريزة لما أنهم لم يعرفوا عهدا للذل، ولا يسامون بإعطاء الصدقات لهذا العهد الأول. أما في دولة بني أمية فللعصبية التي كانت للعرب بعضها مع بعض، يشهد بذلك أخبار الردة والخلفاء معهم مع أمثالهم، مع أن الصدقة كانت لذلك العهد تتحرى الحق بجانب الاعتزاز والغلظة، فليس في إعطائها كثير غمط ولا مذلة. وأما أيام بني العباس حين استفحال الملك وحدوث الغلظة على أهل العصابة فلإبعادهم بالقفر من بلاد نجد وتهامة وما وراءهما. وأما أيام العبيديين فكانت الحاجة تدعو الدولة إلى استمالتهم للفتنة التي كانت بينهم وبين بني العباس. وأما حين خرجوا بعد ذلك إلى قضاء برقة وإفريقية فكانوا ضاحين من ظل الملك. ولما اصطنعهم بنو أبي حفص كانوا معهم بمكان [٢] من الذل وسوم الخسف حتى كانت واقعتهم بالسلطان أبي الحسن وقومه من زناتة بالقيروان، فنهجوا سبيل الاعتزاز لغيرهم من العرب على الدول بالمغرب، فتحامل المعقل وزغبة على ملوك زناتة، واستطالوا في طلابهم بعد أن كانوا مكبوحين بحكمة الغلب عن التطاول إلى مثلها. والله مالك الأمور.


[١] وفي نسخة ثانية ذؤبان العرب.
[٢] وفي نسخة التونسية: بمنجاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>