فيكون مظلما. ولفقدان الأضواء تقل الحرارة المحللة للأبخرة فلا تزال السحب والغيوم متكاثفة على سطحه. منعقدة هنالك متراكمة، وتسميه الأعاجم: بحر أوقيانوس يعنون به والله أعلم ما نعني نحن بالعنصر. ويسمونه أيضا بحر البلاية بتفخيم اللام الثانية. وهو بحر كبير غير منحصر، لا تبعد فيه السفن عن مرأى العين من السواحل للجهل بسموت الرياح هنالك ولنهايتها إذ لا غاية من العمران وراءه.
والبحار المنحصرة إنما جرت فيها السفن بالرياح المعروفة الهوائية بكثرة تجاربهم، فتبعث الريح من الأماكن وغاية مهبها في سمتها فكل ريح عندهم معروفة الغاية. فإذا علم أن جريته بالريح المنبعثة من مكان كذا، وبما خرج من ريح إلى ريح بحسب مقصوده وجهته. وهذا مفقود في البحر الكبير لأنه منحصر، ومنبعث الريح، وإن كان معروفا فغايته غير معروفة لفقدان العمران وراءه فتضل السفن إذا جرت به وتذهب فتهلك. وأيضا فإذا أوغل فيه فربما وقع في المتكاثف من الغيوم والأبخرة كما قلناه فيهلك، فلهذا كان راكبه على غرر وخطر. فحد الغرب من جهة المغرب البحر المحيط كما قلناه، وعليه كثير من مدنه مثل طنجة وسلا وأزمور وأنفي وأسفي، وهي من مدن الغرب وحواضره. وعليه أيضا مسجد ماسة وبلدتا كاوصت ونول من بلاد السوس وهي كلها من مساكن البربر وحواضرهم. وتنتهي المراكب إلى وراء ساحل نول ولا تجاوزه إلا على خطر كما قلناه. وأما حده من جهة الشمال فالبحر الرومي والمتفرع من هذا البحر المحيط يخرج في خليج متضايق بين طنجة من بلاد المغرب وطريف من بلاد الأندلس ويسمى هذا الخليج الزقاق، وعرضه ثمانية أميال فما فوقها. وكانت عليه قنطرة ركبها ماء البحر.
ثم يذهب هذا البحر الرومي في سمت الشرق إلى أن ينتهي إلى سواحل الشام وثغوره وما إليها مثل: أنطاكية والعلايا وطرسوس والمصيصة وطرابلس وصور والإسكندرية.
ولذلك سمي البحر الشامي. وهو إذا خرج من الخليج ينفسح في ذهابه عرضا. وأكثر انفساحه إلى جهة الشمال، ولا يزال انفساحه ذلك متصاعدا إلى الشمال إلى أن ينتهي إلى غايته. وطوله فيما يقال خمسة آلاف ميل أو ستة. وفيه جزائر ميورقة ومزقة وياسة وصقلّيّة وأقريطش وسردانية وقبرص. وأما عرضه من جهة الجنوب فإنه يخرج عن سمت واحد. ثم يختلف في ذهابه فتارة يبعد في الجنوب وتارة يرجع إلى الشمال.
واعترض ذلك بعروض البلدان التي بساحله، وذلك أن عرض البلد هو ارتفاع قطبه