الشمال على أفقه. وهو أيضا بعد ما بين سمت رءوس أهله ودائرة معدل النهار.
والسبب في ذلك أن الأرض كرية الشكل، والسماء من فوقها مثلها. وأفق البلد هو فرق بين ما يرى وبين ما لا يرى من السماء ومن الأرض. والفلك ذو قطبين، إذا ارتفع أحدهما على رءوس معمور انخفض الآخر بقدره عنهم، والعمارة في الأرض كلها هي إلى الجانب الشمالي أكثر، وليس في الجنوب عمران لما تقرر في موضعه. فلهذا ارتفع القطب الشمالي على أهل العمران دون الجنوبي. والمارّ على سطح الكرة كلما أبعد في جهة ظهر له من سطح الكرة، ومن السماء المقابل لها ما لم يكن يظهر، فيزيد بعد القطب على الأفق كما أبعد في الشمال، وينقص كلما رجع إلى الجنوب.
فعرض سبتة وطنجة التي هي على زقاق هذا البحر وخليجه (له [١] ) ودقائق. ثم يتصاعد البحر إلى الجنوب فيكون عرض تلمسان (لد) ونصف، فتزيد في الجنوب فيكون عرض وهران (لب) أبعد من فاس بيسير لأن عرض فاس (لج) ودقائق.
ولهذا كان العمران في المغرب الأقصى أعرض في الشمال من عمران المغرب الأوسط بقدر ما بين فاس وسبتة. وصار ذلك القطر كالجزيرة بين البحار لانعطاف البحر الرومي إلى الجنوب. ثم يرجع البحر بعد وهران عن سمته ذلك فيكون عرض تونس والجزائر (له) على مثل سمته الأول عند منبعثة من الزقاق. ثم يزيد في الشمال فيكون عرض بجاية وتونس يوم على مثل سمت غرناطة ومريه ومالقة. ثم يرجع إلى الجنوب فيكون عرض طرابلس وقابس (له) على مثل السمت الأول بطنجة وسبتة ثم يزيد في الجنوب فيكون عرض برقة (لج) على مثل سمت فاس وتوزر فيكون عرض الإسكندرية (لا) على مثل مراكش وأغمات. ثم يذهب في الشمال إلى القطافة إلى منتهى سمته بسواحل الشام.
وهكذا اختلافه في هذه العدوة الجنوبية، ولسنا على علم من حاله في العدوة الشمالية. وينتهي بسواحل عرض هذا البحر في انفساحه إلى سبعمائة ميل أو نحوها ما بين سواحل إفريقية وجنوة من العدوة الشمالية والبلاد الساحلية من المغرب الأقصى والأوسط وإفريقية من لدن الخليج حيث منبعثه كلها عليه مثل طنجة وسبتة وبادس
[١] له: في حساب الجمل (٣٦) أي ان سبته وطنجة تقع على خط العرض ٣٦ درجة ودقائق، وكذلك تونس وطرابلس الغرب وقابس. وعرض تلمسان ٣٥ درجة ونصف، وعرض فاس ٣٤ درجة ودقائق وكذلك برقة. وأما الاسكندرية فتقع على خط العرض ٣١ درجة.