وقصور عزهم. والتعرض بالمعاقل لسماع شكوى المتظلمين وإنصاف الرعايا من العمال والضرب على يد أهل الجور واتخاذ المساجد بصحن دورهم وشدة خلافهم وملكهم، يعمرونها بالصلوات والتسبيحات والقراء المرتبين لتلاوة كتاب الله أحزابا بالعشي والإشراق على الأيام، وتحصين ثغور المسلمين بالبنيان المشيد والكتائب المجهزة، وإنفاق الأموال العريضة، شهدت لهم بذلك آثار تخلفوها بعدهم.
وأما وقوع الخوارق فيهم وظهور الكاملين في النوع الإنساني من أشخاصهم، فقد كان فيهم من الأولياء المحدثين أهل النفوس القدسية والعلوم الموهوبة ومن حملة العلم عن التابعين ومن بعدهم من الأئمة والكهان المفطورين على المطلع للأسرار المغيبة. ومن الغرائب التي خرقت العادة وأوضحت أدلة القدرة ما يدل على عظيم عناية الله بذلك الجيل وكرامته لهم، بما آتاهم من جماع الخير وآثرهم به من مذاهب الكمال، وجمع لهم من متفرق خواص الإنسان، ينقل ذلك في أخبار توهم عجائب، فكان من مشاهير حملة العلم فيهم سعيد بن واسول جد بني مدرار ملوك سجلماسة، أدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى العباس، ذكره عريب بن حميد في تاريخه. ومنهم أبو يزيد مخلد بن كيداد اليفرني صاحب الحمار، الخارج على الشيعة سنة اثنتين وثلاثمائة الدائن بدين الخارجية. أخذ العلم بتوزر عن مشيختها، ورأس في الفتيا وقرأ مذاهب الإضافية من الخوارج، وصدق فيه. ثم لقي عمارا الأعمى الصفري النكار. فتلقن عنه من مذاهبهم ما انسلخ من آية السعادة بانتحاله. وهو مع ذلك من الشهرة في هذا الجيل بحيث لا يغفل.
ومنهم منذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة من ظواعن ولهاصة، ثم من سوماتة منهم، مولده عام عشرة وثلاثمائة ووفاته عام ثلاثة وثمانين وثلاثمائة. كان من البتر من ولد مادغيس هلك على عهد عبد الرحمن الناصر. ومنهم أيضا أبو محمد بن أبي زيد علم الملة وهو من نفزة أيضا. ومنهم علماء بالنسب والتاريخ وغير ذلك من فنون العلوم.
ومن مشاهير زناتة أيضا موسى بن صالح الغمري، معروف عند كافتهم معرفة وضوح وشهرة، وقد ذكرناه عند ذكر غمرة من شعوب زناتة. وهو وإن لم توقفنا الأخبار الصحيحة على الجلي من أمره في دينه، فهو من محاسن هذا الجيل الشاهدة بوجود الخواص الإنسانية فيهم من ولاية وكهانة وعلم وسحر، كل نوع من آثار الخليقة.