للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك حتى علت على الأيدي أيديهم ومضت في الخلق بالقبض والبسط أحكامهم.

وكان مشاهيرهم بذلك من أهل الطبقة الأولى بلكين بن زيري الصنهاجي عامل إفريقية للعبيديين ومحمد بن خزر والخير ابنه، وعروبة بن يوسف الكتامي القائم بدعوة عبد الله الشيعي، ويوسف بن تاشفين ملك لمتونة بالمغرب، وعبد المؤمن بن علي شيخ الموحدين وصاحب الإمام المهدي. وكان عظماؤهم من أهل الطبقة الثانية السابقون إلى الراية بين دولهم والمعاهدون لملكهم بالمغرب الأقصى والأوسط، كبيرهم يعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين ويغمراسن بن زيان سلطان بني عبد الواد، ومحمد بن عبد القوي ووزمار كبير بني توجين وثابت بن منديل أمير مغراوة أهل شلف ووزمار بن إبراهيم زعيم بني راشد المتعارضين في أزمانهم المتناغين في تأثيل عزهم والتمهيد لقومهم على شاكلته بقوة جمعه. فكانوا من أرسخهم في تلك الخلال قدما وأطولهم فيها يدا، وأكثرهم لها جمعا، طارت عنهم في ذلك قبل الملك وبعده أخبار عني بنقلها الأثبات من البربر وغيرهم، وبلغت في الصحة والشهرة منتهى التواتر.

وأما إقامتهم لمراسم الشريعة وأخذهم بأحكام الملة ونصرهم لدين الله فقد نقل عنهم من اتخاذ المعلمين كتاب الله [١] لصبيانهم، والاستفتاء في فروض أعيانهم، واقتفاء الأئمة للصلوات في بواديهم، وتدارس القرآن بين أحيائهم وتحكيم حملة الفقه في نوازلهم وقضاياهم، وصاغيتهم إلى أهل الخير والدين من أهل مصرهم للبركة في آثارهم وسؤال الاعداد عن صالحيهم، وإغشائهم البحر أفضل المرابطة والجهاد، وبيعهم النفوس من الله في سبيله وجهاد عدوه ما يدل على رسوخ إيمانهم وصحة معتقداتهم، ومتين ديانتهم التي كانت ملاكا لعزهم ومقادا إلى سلطانهم وملكهم.

وكان المبرز منهم في هذا المنتحل يوسف بن تاشفين وعبد المؤمن بن علي وبنوهم. ثم يعقوب بن عبد الحق من بعدهم وبنوه، فقد كان لهم في الاهتمام بالعلم والجهاد وتشييد المدارس واختطاط الزوايا والربط، وسد الثغور وبذل النفس في ذات الله، وإنفاق الأموال في سبيل الخيرات، ثم مخالطة أهل العلم وترفيع مكانهم في مجالستهم ومفاوضتهم في الاقتداء بالشريعة والانقياد لإشاراتهم في الوقائع والأحكام ومطالعة سير الأنبياء وأخبار الأولياء وقراءتها بين أيديهم من دواوين ملكهم ومجالس أحكامهم


[١] وفي نسخة ثانية: اتخاذ المعلمين الأحكام دين الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>