وكان أمر بني أميّة نافذا في جميع العرب بعصبيّة بني عبد مناف حتّى لقد أمر سليمان بن عبد الملك بدمشق بقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير بقرطبة فقتل ولم يردّ أمره. ثمّ تلاشت عصبيّة بني أميّة بما أصابهم من التّرف فانقرضوا. وجاء بنو العبّاس فغضّوا من أعنّة بني هاشم وقتلوا الطّالبيّين وشرّدوهم فانحلّت عصبيّة عبد مناف وتلاشت وتجاسر العرب عليهم فاستبدّ عليهم أهل القاصية مثل بني الأغلب بإفريقيّة وأهل الأندلس وغيرهم وانقسمت الدّولة ثمّ خرج بنو إدريس بالمغرب وقام البربر بأمرهم إذعانا للعصبيّة الّتي لهم وأمنا أن تصلهم مقاتلة أو حامية للدّولة. فإذا خرج الدّعاة آخرا فيتغلّبون على الأطراف والقاصية وتحصل لهم هناك دعوة وملك تنقسم به الدّولة وربّما يزيد ذلك متى زادت الدّولة تقلّصا إلى أن ينتهي إلى المركز وتضعف البطانة بعد ذلك بما أخذ منها التّرف فتهلك وتضمحلّ وتضعف الدّولة المنقسمة كلّها وربّما طال أمدها بعد ذلك فتستغني عن العصبيّة بما حصل لها من الصّبغة في نفوس أهل إيالتها وهي صبغة الانقياد والتّسليم منذ السّنين الطّويلة الّتي لا يعقل أحد من الأجيال مبدأها ولا أوّليّتها فلا يعقلون إلّا التّسليم لصاحب الدّولة فيستغني بذلك عن قوّة العصائب ويكفي صاحبها بما حصل لها في تمهيد أمرها الإجراء على الحامية من جنديّ ومرتزق ويعضد ذلك ما وقع في النّفوس عامّة من التّسليم فلا يكاد أحد يتصوّر عصيانا أو خروجا إلّا والجمهور منكرون عليه مخالفون له فلا يقدر على التّصدّي لذلك ولو جهد جهده وربّما كانت الدّولة في هذا الحال أسلم من الخوارج والمنازعة لاستحكام صبغة التّسليم والانقياد لهم فلا تكاد النّفوس تحدّث سرّها بمخالفة ولا يختلج في ضميرها انحراف عن الطّاعة فيكون أسلم من الهرج والانتقاض الّذي يحدث من العصائب والعشائر ثمّ لا يزال أمر الدّولة كذلك وهي تتلاشى في ذاتها شأن الحرارة الغريزيّة في البدن العادم للغذاء إلى أن تنتهي إلى وقتها المقدور ولكلّ أجل كتاب ولكلّ دولة أمد والله يقدّر اللّيل والنّهار وهو