الواحد القهّار. وأمّا الخلل الّذي يتطرّق من جهة المال فاعلم أنّ الدّولة في أوّلها تكون بدويّة كما مرّ فيكون خلق الرّفق بالرّعايا والقصد في النّفقات والتّعفّف عن الأموال فتتجافى عن الإمعان في الجباية والتّحذلق والكيس في جمع الأموال وحسبان العمّال ولا داعية حينئذ إلى الإسراف في النّفقة فلا تحتاج الدّولة إلى كثرة المال ثمّ يحصل الاستيلاء ويعظم ويستفحل الملك فيدعو إلى التّرف ويكثر الإنفاق بسببه فتعظم نفقات السّلطان وأهل الدّولة على العموم بل يتعدّى ذلك إلى أهل المصر ويدعو ذلك إلى الزّيادة في أعطيات الجند وأرزاق أهل الدّولة ثمّ يعظم التّرف فيكثر الإسراف في النّفقات وينتشر ذلك في الرّعيّة لأنّ النّاس على دين ملوكها وعوائدها ويحتاج السّلطان إلى ضرب المكوس على أثمان البياعات في الأسواق لإدرار الجباية لما يراه من ترف المدينة الشّاهد عليهم بالرّفه ولما يحتاج هو إليه من نفقات سلطانه وأرزاق جنده ثمّ تزيد عوائد التّرف فلا تفي بها المكوس وتكون الدّولة قد استفحلت في الاستطالة والقهر لمن تحت يدها من الرّعايا فتمتدّ أيديهم إلى جمع المال من أموال الرّعايا من مكس أو تجارة أو نقد في بعض الأحوال بشبهة أو بغير شبهة ويكون الجند في ذلك الطّور قد تجاسر على الدّولة بما لحقها من الفشل والهرم في العصبيّة فتتوقّع ذلك منهم وتداوى بسكينة العطايا وكثرة الإنفاق فيهم ولا تجد عن ذلك وليجة وتكون جباة الأموال في الدّولة قد عظمت ثروتهم في هذا الطّور بكثرة الجباية وكونها بأيديهم وبما اتّسع لذلك من جاههم فيتوجّه إليهم باحتجان الأموال من الجباية وتفشو السّعاية فيهم، بعضهم من بعض للمنافسة والحقد فتعمّهم النّكبات والمصادرات واحدا واحدا إلى أن تذهب ثروتهم وتتلاشى أحوالهم ويفقد ما كان للدّولة من الأبّهة والجمال بهم وإذا اصطلمت نعمتهم تجاوزتهم الدّولة إلى أهل الثّروة من الرّعايا سواهم ويكون الوهن في هذا الطّور قد لحق الشّوكة وضعفت عن الاستطالة والقهر فتنصرف سياسة صاحب الدّولة حينئذ إلى مداراة الأمور ببذل المال ويراه أرفع من