للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبيل من صنهاجة يأتون لهذا العهد أوزاعا في البربر. فلما افتتح هذا الجبل اختطّ به المدينة وسمّاها الناصرية، وتسمّى عند الناس باسم القبيلة وهي بجاية، وبنى بها قصر اللؤلؤة وكان من أعجب قصور الدنيا ونقل إليها الناس، وأسقط الخراج عن ساكنيها وانتقل إليها سنة إحدى وستين وأربعمائة وفي أيام الناصر هذا كان استفحال ملكهم وشغوفه على ملك بني باديس إخوانهم بالمهديّة، ولمّا أضرع منه الدهر بفتنة العرب الهلاليين حتى اضطرب عليهم أمرهم، وكثر الثوّار عليهم والمنازعون من أهل دولتهم، فاعتز آل حماد هؤلاء أيام الناصر هذا، وعظم شأن أيامهم، فبنى المباني العجيبة المؤنّقة، وشيّد المدائن العظيمة، وردّد الغزو إلى المغرب وتوغل فيهم.

ثم هلك سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وقام بالأمر من بعده ابنه المنصور بن الناصر.

ونزل بجاية سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، وأوطنها بعساكر وخاصة بعراعر منازل العرب [١] ، وما كانوا يسومونهم بالقلعة من خطة الخسف وسوء العذاب بوطء ساحتها والعيث في نواحيها، وتخطف الناس من حولها السهولة طرقها على رواحلهم، وصعوبة المسالك عليها في الطريق إلى بجاية لمكان الأوعار، فاتخذ بجاية هذه معقلا وصيّرها دارا لملكه، وجدّد قصورها وشيّد جامعها. وكان المنصور هذا جمّاعة مولعا بالبناء وهو الّذي حضر ملك بني حمّاد وتأنّق في اختطاط المباني وتشييد المصانع واتخاذ القصور وإجراء المياه في الرياض والبساتين. فبنى في القلعة قصر الملك والمنار والكوكب وقصر السلام وفي بجاية قصر اللؤلؤة وقصر أميميون [٢] .

وكان أخوه يلباز على قسنطينة منذ عهد الناصر أبيهما وهمّ بالاستبداد لأوّل ولاية المنصور، فسرّح إليه أبا يكنى بن محصن بن العابد في العساكر، وعقد له على قسنطينة وبونة فتقبّض على يلباز وأشخصه إلى القلعة، وأقام واليا على قسنطينة وكأنه، وولّى أخاه ويغلان على بونة. ثم بدا له في الخلاف على المنصور وثار بقسنطينة سنة سبع وثمانين وأربعمائة وبعث أخاه ابن موتة إلى تميم بن المعزّ بالمهديّة، واستدعاه لولاية بونة فبعث معه ابنه أبا الفتوح بن تميم، ونزل بونة مع ويغلان، وكاتبوا المرابطين بالمغرب الأقصى وجمعوا العرب على أمرهم. وسرّح المنصور عساكره فحاصروا بونه سبعة أشهر، ثم اقتحموها غلابا، وتقبضوا على أبي الفتوح


[١] وفي نسخة أخرى: وخاصة بعرا من بلاد العرب.
[٢] وفي قبائل المغرب/ ١٤٥: قصر دار السلام، وبجاية قصر اللؤلؤة وقصر أميون.

<<  <  ج: ص:  >  >>