غارون فاكتسحوا جميع ما وجدوه بظواهرها، وعظم عيثهم، وقاتلتهم الحامية فغلبوهم وأخرجوهم من البلد. ثم ارتحل العرب وبلغ الخبر إلى العزيز فبعث ابنه يحيى وقائده علي بن حمدون من بجاية في عسكر وتعبية، فوصل إلى القلعة وسكن الأحوال. وقد أمّن العرب واستعتبوا فأعتبوا وانكفأ يحيى راجعا إلى بجاية في عسكره على عهد العزيز. وهكذا كان وصول مهدي الموحّدين إلى بجاية قافلا إلى المشرق سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وغيّر بها المنكر، فسعى به عند العزيز وائتمر به، فخرج إلى بني ورياكل من صنهاجة كانوا ساكنين بوادي بجاية فأجاروه. ونزل عليهم بملالة وأقام بها يدرّس العلم. وطلبه العزيز فمنعوه وقاتلوا دونه إلى أن رحل عنهم إلى المغرب.
وهلك العزيز سنة خمس عشرة وأربعمائة [١] فولي من بعده ابنه يحيى، وطالت أيامه مستضعفا مغلبا للنساء مولعا بالصيد على حين انقراض الدولة وذهاب الأيام بقبائل صنهاجة واستحدث السكّة ولم يحدثها أحد من قومه أدبا مع خلفائهم العبيديّين، ونقل ابن حماد انّ سكته في الدينار كانت ثلاثة سطور ودائرة في كل وجه، فدائرة الوجه الواحد:«وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» ٢: ٢٨١ والسطور «لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، يعتصم بحبل الله يحيى بن العزيز باللَّه الأمير المنصور. ودائرة الوجه الآخر: «بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١: ١ ضرب هذا الدينار بالناصريّة سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة» . وفي سطوره الإمام أبو عبد الله المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين العبّاسي.
ووصل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة إلى القلعة لافتقادها ونقل ما بقي بها، وانتقض عليه بنو زرا بن مروان، فجهّز إليه الفقيه مطرف بن علي بن حمدون في العساكر فافتتحها عنوة وتقبّض على ابن مروان وأوصله إليه فسجنه بالجزائر إلى أن هلك في معتقله، وقيل قتله. وبعث مطرف بابنه إلى تونس فافتتحها ونازل في وجهته هذه المهدية فامتنعت عليه، ورجع إلى بجاية وتغلّب النصارى على المهديّة، وقصده الحسن صاحبها فأجازه إلى الجزائر وأنزله بها مع أخيه القائد، حتى إذا زحف الموحّدون إلى بجاية وفرّ القائد من الجزائر وأسلمها، قدّموا الحسن على أنفسهم ولقي