بالوزان [١] الأوّل أحوالها الثّانية، يروم دفع مفاسد الخلل الّذي يتجدّد في كل طور ويأخذ من كلّ طرف حتّى يضيق نطاقها الآخر إلى نطاق دونه كذلك، ويقع فيه ما وقع في الأوّل. فكلّ واحد من هؤلاء المغيّرين للقوانين قبلهم كأنّهم منشئون دولة أخرى، ومجدّدون ملكا. حتّى تنقرض الدّولة، وتتطاول الأمم حولها إلى التّغلّب عليها وإنشاء دولة أخرى لهم، فيقع من ذلك ما قدّر الله وقوعه.
واعتبر ذلك في الدّولة الإسلاميّة كيف اتّسع نطاقها بالفتوحات والتّغلّب على الأمم، ثمّ تزايد الحامية وتكاثر عددهم ممّا تخوّلوه من النّعم والأرزاق، إلى أن انقرض أمر بني أميّة وغلب بنو العبّاس. ثمّ تزايد التّرف، ونشأت الحضارة وطرق الخلل، فضاق النطاق من الأندلس والمغرب بحدوث الدّولة الأمويّة المروانيّة والعلويّة، واقتطعوا ذينك الثغرين عن نطاقها، إلى أن وقع الخلاف بين بني الرشيد، وظهر دعاة العلويّة من كلّ جانب، وتمهّدت لهم دول، ثمّ قتل المتوكّل، واستبدّ الأحرار على الخلفاء وحجروهم، واستقلّ الولاة بالعمالات في الأطراف. وانقطع الخراج منها، وتزايد التّرف. وجاء المعتضد فغيّر قوانين الدّولة إلى قانون آخر من السّياسة أقطع فيه ولاة الأطراف ما غلبوا عليه، مثل بني سامان وراء النهر وبني طاهر العراق وخراسان، وبني الصّغار السّند وفارس، وبني طولون مصر، وبني الأغلب إفريقية، إلى أن افترق أمر العرب وغلب العجم، واستبدّ بنو بويه والدّيلم بدولة الإسلام وحجروا الخلافة، وبقي بنو سامان في استبدادهم وراء النّهر، وتطاول الفاطميّون من المغرب إلى مصر والشام فملكوه. ثمّ قامت الدولة السّلجوقيّة من التّرك فاستولوا على ممالك الإسلام وأبقوا الخلفاء في حجرهم، إلى أن تلاشت دولهم. واستبدّ الخلفاء منذ عهد النّاصر في نطاق أضيق من هالة القمر وهو عراق العرب إلى أصبهان وفارس والبحرين.
وأقامت الدولة كذلك بعض الشيء إلى أن انقرض أمر الخلفاء على يد هولاكو بن
[١] قايس بين الأمرين: قدّر وازنه: عادله وقابله (قاموس)