للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقصر البنات. وأقمن تحت حراسته وفي سعة من رزقه موصولات لوصاة أبيهنّ بذلك منهنّ وحفظهنّ لوصاته. ولقد يقال أن ابن عم لهنّ خطب إحداهنّ، فبعث إليها الأمير أبو زكريا فقال لها: هذا ابن عمك وأحقّ بك، فقالت لو كان ابن عمّنا ما كفلنا الأجانب، إلى أن هلكن عوانس بعد أن متعن من العمر بحظ.

أخبرني والدي رحمه الله أنه أدرك واحدة منهنّ أيام حياته في سني العشر والسبعمائة تناهز التسعين من السنين. (قال) : ولقيتها وكانت من أشرف النساء نفسا وأسراهنّ خلقا وأزكاهنّ خلالا والله وارث الأرض ومن عليها.

ومضى هؤلاء الملثّمون وقبائلهم لهذا العهد بمجالاتهم من جوار السواد ان حجزا بينهم وبين الرمال التي هي تخوم بلاد البربر من المغربين وإفريقية، وهم لهذا العهد متّصلون من ساحل البحر المحيط في المغرب إلى ساحل النيل بالمشرق. وهلك من قام بالملك منهم بالعدوتين، وهم قليل من مسوقة ولمتونة كما ذكرناه، أكلتهم الدولة وابتلعتهم الآفاق والأقطار، وأفناهم الرقّ [١] واستلحمهم أمراء الموحدين [٢] وبقي من أقام بالصحراء منهم على حالهم الأوّل من افتراق الكلمة واختلاف البين، وهم الآن يعطون طاعة لملوك السودان، يجبون إليهم خراجهم وينفرون في معسكرهم.

واتصل بنيانهم على بلاد السودان إلى المشرق مناظر السلع العرب على بلاد المغربين وإفريقية [٣] فكدالة منهم في مقابلة ذوي حسّان بن المعقل عرب السوس الأقصى، ولمتونة وتريكة في مقابلة ذوي منصور وذوي عبد الله بن المعقل أيضا عرب المغرب الأقصى، ومسوقة في مقابلة زغبة عرب المغرب الأوسط، ولمطة في مقابلة رياح عرب الزاب وبجاية وقسنطينة، وتاركا في مقابلة سليم عرب إفريقية. وأكثر ما عندهم من المواشي الإبل لمعاشهم وحمل أثقالهم وركوبهم، والخيل قليلة لديهم أو معدومة. ويركبون من الإبل الفارهة ويسمّونها النجيب، ويقاتلون عليها إذا كانت بينهم حرب، وسيرها هملجة، وتكاد تلحق بالركض [٤] وربما يغزوهم أهل القفر من العرب وخصوصا بنو سعيد من بادية رياح، فهم أكثر العرب غزوا إلى بلادهم


[١] وفي النسخة التونسية: الترف.
[٢] وفي النسخة التونسية: واستلحمهم آخرا الموحّدون.
[٣] وفي النسخة التونسية: واتصل سياجهم على بلاد السودان الى المشرق، مناظرا لسياج العرب على بلاد المغربين وإفريقية.
[٤] مقتضى السياق: وتكاد لا تلحق بالركض.

<<  <  ج: ص:  >  >>