فولي عليهم من بعده ماري جاطه بن منسا مغا بن منسا موسى واتصلت أيامه أربعة عشر عاما وكان أشر وال عليهم بما سامهم من النكال والعسف وإفساد الحرم. وأتحف ملك المغرب لعهده السلطان أبا سالم ابن السلطان أبي الحسن بالهدية المذكورة سنة اثنتين وستين وسبعمائة وكان فيها الحيوان العظيم الهيكل المستغرب بأرض المغرب المعروف بالزرافة، تحدث الناس بما اجتمع فيه من مفترق الجلي والشبه في جثمانه ونعوته دهرا.
(وأخبرني القاضي الثقة أبو عبد الله محمد بن وانسول من أهل سجلماسة. وكان أوطن بأرض كوكو من بلادهم واستعملوه في خطّة القضاء بما لقية منذ سنة ست وسبعين وسبعمائة، فأخبرني عن ملوكهم بالكثير مما كتبته وذكر لي عن هذا السلطان جاطه أنه أفسد ملكهم وأتلف ذخيرتهم، وكاد أن ينتقض شأن سلطانهم. (قال) : ولقد انتهى الحال به في سرفه وتبذيره أن باع حجر الذهب الّذي كان في جملة الذخيرة عن أبيهم، وهو حجر يزن عشرين قنطارا منقولا من المعدن من غير علاج بالصناعة ولا تصفية بالنار، كانوا يرونه من أنفس الذخائر والغرائب لندور مثله في المعدن، فعرضه جاطه هذا الملك المسرف على تجّار مصر المتردّدين إلى بلده وابتاعوه منه بأبخس ثمن إذ استهلك من ذخائر ملوكهم سرفا وتبذيرا في سبيل الفسوق والتخلّف.
(قال) : وأصابته علّة النوم، وهو مرض كثيرا ما يطرق أهل ذلك الإقليم وخصوصا الرؤساء منهم يعتاده غشي النوم عامّة أزمانه حتى يكاد أن لا يفيق ولا يستيقظ إلّا في القليل من أوقاته، ويضرّ صاحبه ويتصل سقمه إلى أن يهلك. (قال) : ودامت هذه العلّة بخلطه مدّة عامين اثنين وهلك سنة خمس وسبعين [وسبعمائة] وولّوا من بعده ابنه موسى فأقبل على مذاهب العدل والنظر لهم، ونكب عن طرق أبيه جملة وهو الآن مرجو الهداية ويغلب على دولته وزيره ماري جاطه، ومعنى ماري عندهم الوزير وجاطه تقدّم وهو الآن قد حجر السلطان واستبد بالأمر عليه، ونظر في تجهيز العساكر وتجهيز الكتائب، ودوّخ أقطار الشرق من بلادهم وتجاوز تخوم كوكو وجهّز إلى منازلة تكرت بما وراءها من بلاد الملثّمين، كتائب نازلتها الأوّل الدولة، وأخذت بمخنقها، ثم أفرجت عنها وحاطهم الآن هدنة.
وتكرت هذه على سبعين مرحلة من بلد واركلا في الجانب القبلي الغربي وفيها من الملثّمين يعرف بالسلطان، وعليهم طريق الحاج من السودان، وبينه وبين أمير الزاب