وثلاثين وثلاثمائة وزحفوا إليه بوادي لاو فأوقع بهم فأذعنوا من بعدها، وتغلّب الناصر على طنجة من يد أبي العيش أمير بني محمد وبقي يصل على بيعة الناصر. ثم تخطّت عساكر الناصر إلى بسائط المغرب فأذعن له أهله، وأخذ بدعوته فيه أمراء زناتة من مغراوة وبني يفرن ومكناسة كما ذكرناه، فضعف أمر بني محمد واستأذنه أميرهم أبو العيش في الجهاد فأذن له وأمر ببناء القصور له في كل مرحلة من الجزيرة إلى الثغر، فكانت ثلاثين مرحلة، فأجاز أبو العيش واستخلف على عمله أخاه الحسن بن كنّون، وتلقّاه الناصر بالمبرّة وأجرى له ألف دينار في كل يوم، وهلك شهيدا في مواقف الجهاد سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة ولما أغزا معدّ قائده جوهرا الكاتب الى المغرب واستنزل عماله، وتحصّن الحسن بن كنّون منه بقلعة النسر معقلهم. وبعث إليه بطاعته فلم يعرض له جوهر. ولما قفل من المغرب راجع الحسن الطاعة للناصر إلى أن هلك سنة خمسين وثلاثمائة فأشحذ الحكم عزمه في سد ثغور المغرب وإحكام دعوتهم فيه. وشحذ لها عزائم أوليائهم من ملوك زناتة، فكان بينهم وبين زيري وبلكّين ما ذكرناه. ثم أغزى معدّ بلكّين بن زيري المغرب سنة اثنتين وستين وثلاثمائة أولى غزواته، فأثخن في زناتة وأوغل في ديار المغرب. وقام الحسن بن كنّون بدعوة الشيعة ونقض طاعة المروانية، فلما انصرف بلكّين أجاز الحكم عساكره إلى العدوة مع وزيره محمد بن قاسم بن طملس سنة اثنتين وستين وثلاثمائة لقتال الحسن بن كنّون وبني محمد، فكان الظهور والفلاح للحسن على عسكر الحكم.
وقتل قائده محمد بن طملس وخلقا كثيرا من عسكره وأوليائه. ودخل فلّهم إلى سبتة واستصرخوا الحكم، فبعث غالبا مولاه البعيد الصيت المعروف بالشهامة، وأمدّه بما يعينه على ذلك من الأموال والجنود، وأمره باستنزال الأدارسة وأجاز بهم إليه، وقال سريا غالب مسير من لا إذن له في الرجوع إلّا حيّا منصورا أو ميتا معذورا. واتصل خبره بالحسن بن كنّون فأفرج عن مدينة البصرة واحتمل منها أمواله وحرمه وذخيرته إلى حجر النسر معقلهم القريب من سبتة، ونازلة غالب بقصر مصمودة فاتصلت الحرب بينهم أياما.
ثم بثّ غالب المال في رؤساء البربر من غمارة ومن معه من الجنود وفرّوا وأسلموه، وانحجز بقلعة جبل النسر [١] ونازلة غالب وأمدّه الحكم بعرب الدولة ورجال الثغور،
[١] وفي نسخة أخرى: حجر النسر. وهو الأصح. كما في قبائل المغرب/ ١١٦.