وأجازهم مع وزيره صاحب الثغر الأعلى يحيى بن محمد بن إبراهيم التجيبي فيمن معه من أهل بيته وحشمه سنة ثلاث وستين وثلاثمائة فاجتمع مع غالب على القلعة، واشتدّ الحصار على الحسن، وطلب من غالب الأمان فعقد له وتسلّم الحصن من يده. ثم عطف على من بقي من الأدارسة ببلاد الريف فأزعجهم وسيرهم شردا، واستنزل جميع الأدارسة من معاقلهم وسار إلى فاس فملكها واستعمل عليها محمد بن علي بن قشوش في عدوة القرويين، وعبد الكريم بن ثعلبة الجذامي في عدوة الأندلس. وانصرف غالب إلى قرطبة ومعه الحسن بن كنّون وسائر ملوك الأدارسة، وقد مهّد المغرب وفرّق عماله في جهاته، وقطع دعوة الشيعة، وذلك سنة أربع وستين وثلاثمائة، وتلقّاهم الحكم وأركب الناس للقائهم. وكان يوم دخولهم إلى قرطبة أحفل أيام الدولة.
وعفا عن الحسن بن كنّون ووفّى له بالعهد، وأجزل له ولرجاله العطاء والخلع والجعالات، وأوسع عليه الجراية وأسنى لهم الأرزاق ورتّب من حاشيتهم في الديوان سبعمائة من أنجاد المغاربة. وتجنّى عليه بعد ثلاث سنين بسؤاله من الحسن قطعة عنبر عظيمة تأدّت إليه من بعض سواحل عمله بالمغرب أيام ملكه، فاتخذ منها أريكة يرتفقها ويتوسّدها، فسأله حملها إليه على أن يحكمه في رضاه، فأبى عليه مع سعاية بني عمّه فيه عند الخليفة، وسوء خلق الحسن ولجاجته، فنكبه واستصفى ما لديه من قطعة العنبر وسواها.
واستقام المغرب للحكم وتظافر أمراؤه على مدافعة بلكّين، وعقد الوزير المنصوري [١] لجعفر بن علي على المغرب، واسترجع يحيى بن محمد بن هاشم وغرب الحسن بن كنّون الأدارسة جميعا إلى المشرق استثقالا لنفقاتهم، وشرط عليهم أن لا يعودوا، فعبروا البحر من المريّة سنة خمس وستين وثلاثمائة، ونزلوا من جوار العزيز معدّ بالقاهرة خير نزل، وبالغ في الكرامة ووعد بالنصرة والترة. ثم بعث الحسن بن كنّون إلى المغرب وكتب له إلى آل زيري بن مناد بالقيروان بالمظاهرة، فلحق بالمغرب ودعا لنفسه. وبعث المنصور بن أبي عامر العساكر لمدافعته فغلبوه وتقبّضوا عليه، وأشخصوه إلى الأندلس فقتل في طريقه كما ذكرناه في أخبارهم. وانقرض ملك