للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يومئذ وفحول النظار، وأفاد علما واسعا وكان يحدّث نفسه بالدولة لقومه على يده لما كان الكهّان والحزّاء يتحيّنون ظهور دولة يومئذ بالمغرب. ولقي فيما زعموا أبا حامد الغزالي، وفاوضه بذات صدره بذلك فأراده عليه لما كان فيه الإسلام يومئذ بأقطار المغرب من اختلال الدولة وتقويض أركان السلطان الجامع الأمة، المقيم للملّة بعد أن ساء له عمن له من العصابة والقبائل التي يكون بها الاعتزاز والمنعة، ونشأ بها يتم أمر الله في درك البغيّة وظهور الدعوة. وانطوى هذا الإمام راجعا إلى المغرب بحرا متفجّرا من العلم، وشهابا واريا من الدين. وكان قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل السنّة وأخذ عنهم واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفيّة والذبّ عنها بالحجج العقليّة الدافعة في صدر أهل البدعة. وذهب إلى رأيهم في تأويل المتشابه من الآي والأحاديث بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن أتباعهم في التأويل والأخذ برأيهم فيه اقتداء بالسلف في ترك التأويل وإقرار التشابهات كما جاءت. ففطن أهل المغرب في ذلك وحملهم على القوم بالتأويل والأخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد، وأعلن بإمامتهم ووجوب تقليدهم وألف العقائد على رأيهم مثل المرشدة في التوحيد. وكان من رأيه القول بعصمة الإمام على رأي الإمامية من الشيعة، وألف في ذلك كتابه في الإمامية الّذي افتتحه بقوله: أعزّ ما يطلب وصار هذا المفتتح لقبا على ذلك الكتاب، وأحل [١] بطرابلس أول بلاد المغرب معنيا بمذهبه ذلك مظهرا النكير على علماء المغرب في عدولهم عنه، آخذا نفسه بتدريس العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما استطاع، حتى لقي بسبب ذلك أذيّات في نفسه احتسبها من صالح عمله [٢] . ولما دخل بجاية وبها يومئذ العزيز بن المنصور بن الناصر بن علناس ابن حماد من أمراء صنهاجة. وكان من المترفين فأغلظ له ولأتباعه بالنكير. وتعرّض يوما لتغيير بعض المنكرات في الطرق، فوقعت بسببها هيعة نكرها السلطان والخاصة وائتمروا به، فخرج منها خائفا ولحق بملالة على فرسخ منها، وبها يومئذ بنو ورياكل من قبائل صنهاجة. وكان لهم اعتزاز ومنعة، فآووه وأجاروه وطلبهم السلطان صاحب بجاية بإسلامه إليه فأبوا وأسخطوه، وأقام بينهم يدرس العلم أياما. وكان يجلس إذا فرغ على صخرة بقارعة الطريق قريبا من ديار ملالة، وهي لهذا العهد


[١] وفي نسخة أخرى: احتلّ.
[٢] وفي نسخة اخرى: اعماله.

<<  <  ج: ص:  >  >>