للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معروفة. وهناك لقيه كبير صحابته عبد المؤمن بن علي حاجا مع عمه فأعجب بعلمه، وانتهى عزمه عن وجهه ذلك، واختصّ به وتشمّر للأخذ عنه. وارتحل المهدي إلى المغرب وهو في جملته. ولحق بوانشرس. وصحبه منها البشير من جملة أصحابه. ثم لحق بتلمسان وقد تسامع الناس بخبره فأحضره القاضي بها ابن صاحب الصلاة ووبّخه على منتحله ذلك، وخلافه لأهل قطره. وظنّ أن من العدل نزعه عن ذلك، فصمّ عن قبوله. واستمر على طريقه إلى فاس، ثم إلى مكناسة ونهى بها عن بعض المناكير فأوقع به الشرار من الغوغاء. فأوجعوه ضربا، ولحق بمراكش وأقام بها آخذا في شأنه. ولقي علي بن يوسف بالمسجد الجامع في صلاة الجمعة فوعظه وأغلظ له القول. ولقي ذات يوم الصورة أخت علي بن يوسف حاسرة قناعها على عادة قومها الملّثمين في زي نسائهم فوبخها، ودخلت على أخيها باكية لما نالها من تقريعه، ففاوض الفقهاء في شأنه بما وصل إليه من شهرته. وكانوا ملئوا منه حسدا وحفيظة لما كان ينتحل مذهب الأشعريّة في تأوي المتشابه وينكر عليهم جمودهم على مذهب السلف في إقراره كما جاء. ويرى أن الجمهور لقّنوه تجسيما، ويذهب إلى تكفيرهم بذلك أحد قولي الأشعرية في التكفير فمال الرأي فأغروا الأمير به فأحضره للمناظرة معهم فكان له الفتح والظهور عليهم، وخرج من مجلسه ونذر بالشر منهم فلحق من يومه بأغمات، وغيّر المناكير على عادته وأغرى به أهلها علي بن يوسف وطيّروا إليه بخبره فخرج عنها هو وتلميذه الذين كانوا في صحابته، ودعا إسماعيل بن أيكيك من أصحابه وهو من أنجاد قومه [١] ، وخرج به إلى منجاة من جبال المصامدة. لحق أولا بمسفيوه، ثم بهنتاتة. ولقيه من أشياخهم عمر بن يحيى بن محمد بن وانودين بن علي، وهو أبو حفص ويعرف بيته ابن هنتاتة ببني فاصكات.

وتقول نسّابتهم إن فاصكات هو جد وانودين، ويقال لهنتاتة بلسانهم هنتي فلذلك كان يعرف عمر بهنتي وسيأتي الكلام في تحقيق نسبهم عند ذكر دولتهم. ثم ارتحل المهدي عنهم إلى ايكيلين من بلاد هرغة، فنزل على قومه وذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة. وبنى رابطة للعبادة اجتمعت إليه الطلبة والقبائل يعلّمهم المرشدة في التوحيد باللسان البربري. وشاع أمره في صحبته واستدرك فقيه العلمية بمجلس


[١] وفي نسخة أخرى: ودعا إسماعيل بن ايكيك من أصحابه مائتين من انجاد قومه.

<<  <  ج: ص:  >  >>