للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشمله عفو السلطان فيمن شمله من ذلك الفلّ، وخرج في جملة الشيخ أبي حفص في وجهته هذه وطلبه للكتاب في ذلك، فأجابه واستحسن كتابه عبد المؤمن لما وقف عليه فاستكتبه أولا. ثم ارتفع عنده مكانه [١] فاستوزره، وبعد في الدولة صيته، وقاد العساكر وجمع الأموال وبذلها، ونال من الرتبة عند السلطان ما لم ينله أحد في دولته إلى أن دبّت السعاية إلى مهاده الوثير، فكان فيها حتفه، ونكبه الخليفة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وقتله بمحبسه حسبما هو مشهور.

ولما انصرف الشيخ أبو حفص من غزاة ماسة أراح بمراكش أياما. ثم خرج غازيا إلى القائمين بدعوة الماسي بجبال درن، فأوقع بأهل نفيس وهيلانة وأثخن فيهم بالقتل والسبي حتى أذعنوا بالطاعة ورجع. ثم خرج إلى هسكورة وأوقع بهم وافتتح معاقلهم وحصونهم. ثم نهض الى سجلماسة فاستولى عليها ورجع إلى مراكش، ثم خرج ثالثة إلى برغواطة فحاربوه مدّة ثم هزموه، واضطرمت نار الفتنة بالمغرب، وانتقض أهل سبتة، وأخرجوا يوسف بن مخلوف التينمللي وقتلوه ومن كان معه من الموحّدين، وأجاز القاضي عيّاض البحر إلى يحيى بن علي بن غانية المسوقي الوالي بالأندلس، فلقيه بالخضراء وطلب منه واليا على سبتة فبعث معه يحيى بن أبي بكر الصحراوي الّذي كان بفاس منذ منازلة عبد المؤمن لها. وذكر أنه لحق بطنجة فأجاز البحر إلى الأندلس ولحق بابن غانية بقرطبة وصار في جملته.

وبعثه ابن غانية إلى سبتة مع القاضي عياض كما ذكرناه. وقام بأمرها ووصل يده بالقبائل الناكثة لطاعة الموحّدين من برغواطة ودكالة على حين هزيمتهم للموحّدين كما ذكرناه. ولحق بهم من مكانه بسبتة وخرج إليهم عبد المؤمن بن علي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة فدوّخ بلادهم واستأصل شأفتهم حتى انقادوا للطاعة وتبرّءوا من يحيى الصحراوي ولمتونة، ورجع إلى مراكش لستة أشهر من خروجه، ووصلته المرعبة [٢] من مشيخة القبائل في يحيى الصحراوي فعفا عنه وصلحت أحوال المغرب. وراجع أهل سبتة طاعتهم فتقبّل منهم، وكذلك أهل سلا فصفح لهم وأمر بهدم سورهم والله أعلم.


[١] وفي نسخة أخرى: بخلاله.
[٢] وفي نسخة أخرى: الرغبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>