كانوا مسخوطين في آخر دولة بني عبد المؤمن، فاختصّوهم بالإثرة والمخالصة.
وكان علي بن محمد كبيرهم لعهد السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق خالصة له من بين قومه. وهلك سنة سبعين وستمائة [١] على يد ابن الملياني الكاتب بكتاب لبس فيه، وأنفذه على السلطان لابنه أمير مراكش فقتل رهط من مشيخة المصامدة في اعتقاله، كان منهم: علي بن محمد فقام السلطان لها في ركائبه، وندم على ما فرّط من أمره في إفلات ابن الملياني على ما يذكر من أمر هذه الواقعة في أخبار السلطان يوسف بن يعقوب. ولما ولي السلطان أبو سعيد وانقطع عن المصامدة ما كان لهم من أثر الملك والسلطان، وانقادوا للدولة رجع بنو مرين إلى التولية عليهم من رجالاتهم، ودالوا بينهم في ذلك وأخبار السلطان بعد صدر من دولة موسى بن علي بن محمد للولاية على المصامدة وجبايتهم، فعقد له وأنزله مراكش فاضطلع بهذه الولاية سنين ورسخت فيها قدمه، وأورثها أهل بيته، وصار لهم بها في الدولة مكان انتظموا له في الولاية، وترشّحوا للوزارة. ولما هلك موسى عقد السلطان من بعده لأخيه محمد، وأجراه على سننه إلى أن هلك فاستعمل السلطان بنيه في وجوه خدمته، وعقد لعامر منهم على قومه. ولما ارتحل السلطان أبو الحسن إلى إفريقية صحبه عامر فيمن صحبه من أمراء المصامدة وكافة الوجوه، حتى إذا كانت نكبة القيروان سنة تسع وأربعين وسبعمائة عقد له على الشرطة بتونس على رسم الموحّدين من بيوت الخطة وسعة الرزق. وأسام إليه فيها فكفاه همّها، ولما فصل من تونس ركب الكثير من حرمه وخطاياه السفن لنظر عامر هذا، حتى إذا غرق الأسطول بالسلطان أبي الحسن بما أصابهم من عاصف الريح رمى الموج بالسفينة التي كانوا بها إلى المريّة من ثغور الأندلس، فأنزل بها كرائم السلطان لنظره وبعث عنهنّ ابنه أبو عنّان المستبدّ على أبيه بملك المغرب، فامتنع من إسلامهنّ إليه وفاء بأمانته في خدمتهم.
وخلص السلطان أبو الحسن بعد النكبة البحريّة إلى الجزيرة سنة خمسين وسبعمائة وزحف إلى بني عبد الواد ففلّوه ونهض إلى المغرب، وسلك إليه القفر حتى نزل سجلماسة فقصده أبو عنّان فخرج منها إلى مراكش وقام بدعوته المصامدة وعرب جشم، فاحتشد، ولقي ابنه بأغمات بجهات أمّ ربيع فكانت الدبرة عليه، ونجا إلى
[١] وفي النسخة الباريسية: تسع وتسعين وفي نسخة اخرى: سبع وسبعين والنسخة الباريسية: أصح.