الروم، ومنهم لقّنوا دينها. واستفحل ملكهم عند تراجع ملك الروم وأجازوا البحر إلى إفريقية مع الروم فملكوها ونزلوا أمصارها العظيمة مثل سبيطلة وجلولا [١] وقرطاجنّة ومرناق وباغاية ولمس وغيرها من الأمصار وغلبوا على من كان بها من البربر حتى اتبعوهم في دينهم وأعطوهم طاعة الانقياد.
ثم جاء الإسلام وكان الفتح بانتزاع الأعراب من أيديهم سائر أمصار إفريقية، والعدوة الشرقية والجزر البحرية مثل أقريطش ومالطة وصقلّيّة وميورقة ورجوعهم إلى عدوتهم. ثم أجازوا خليج طنجة وغلبوا القوط والجلالقة والبشكنس، وملكوا جزيرة الأندلس وخرجوا من ثناياها ودورها إلى بسائط هؤلاء الإفرنجة فدوّخها وعاثوا فيها.
ولم تزل الصوائف تتردّد إليها صدرا من دولة بني أميّة بالأندلس، وكان ولاة إفريقية من الأغالبة ومن قبلهم أيضا يردّدون عساكر المسلمين وأساطيلهم من العدوة حتى غلبوهم على الجزر البحرية، ونازلوهم في بسائط عدوتهم فلم تزل في نفوسهم من ذلك ضغائن، فكان يخالجها الطمع في ارتجاع ما غلبوا عليه منها.
وكان الربع أقرب إلى سواحل الشام وطمع فيها. فلمّا وصل أمر الروم بالقسطنطينة ورومة، واستفحل ملك الفرنجة هؤلاء، وكان ذلك على هيئة سموّ الخلافة بالمشرق.
فسموا حينئذ إلى التغلّب على معاقل الشام وثغوره، وزحفوا إليها وملكوا الكثير منها واستولوا على المسجد الأقصى وبنو فيه الكنيسة العظمى بدل المسجد، ونازلوا مصر والقاهرة مرارا حتى جاد الله للإسلام من صلاح الدين أبي أيوب الكردي صاحب مصر والشام في أواسط المائة السادسة جنّة واقية، وعذابا على أهل الكفر مصبوبا، فأبلى في جهادهم وارتجع ما ملكوه، وطهّر المسجد الأقصى من إفكهم وكفرهم، وهلك على حين غرّة من الغزو والجهاد. ثم عاودوا الكرّة ونازعوا مصر في المائة السابعة على عهد الملك الصالح صاحب مصر والشام، وأيام الأمير أبي زكريا بتونس، فضربوا أبنيتهم بدمياط وافتتحوها وتغلّبوا في قرى مصر. وهلك الملك الصالح خلال ذلك، وولي ابنه المعظّم وأمكنت المسلمين في الغزو فرصة أيام فيض النيل، ففتحوا الغياض وأزالوا مدد الماء فأحاط بمعسكرهم وهلك منهم عالم، وقيد سلطانهم أسيرا
[١] ورد في المقدمة ان المدن الحافلة التي كانت بالغرب أيام القرطاجنيين هي: سبيطلة وجلولاء ومرناق وشرشال وطنجة. ومدينة جلولا تبعد عن القيروان أربعة وعشرين ميلا فتحها عبد الملك بن مروان في جيش معاوية بن حريج (المعجم التاريخي/ ٢٣) .