للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المعركة إلى السلطان فاعتقله بالإسكندرية، حتى مرّ عليه بعد حين من الدهر وأطلقه على أن يمكّنوا المسلمين من دمياط فوفّوا له. ثم على شرط المسالمة فيما بعد فنقضه لمدة قريبة، واعتزم على الحركة إلى تونس متجنّيا عليهم فيما زعموا بمال أدعياء تجّار أرضهم، وأنهم أقرضوا اللياني فلما نكبه السلطان طالبوه بذلك المال وهو نحو ثلاثمائة دينار بغير موجب يستندون إليه، فغضبوا لذلك واشتكوا إلى طاغيتهم فامتعض لهم ورغّبوه في غزو تونس لما كان فيها من المجاعة والموتان.

فأرسل الفرنسيس طاغية الإفرنج واسمه سنلويس بن لويس وتلقّب بلغة الإفرنج روا فرنس ومعناه ملك إفرنس، فأرسل إلى ملوك النصارى يستنفرهم إلى غزوها، وأرسل إلى القائد [١] خليفة المسيح بزعمهم فأوعز إلى ملوك النصرانية بمظاهرته، وأطلق يده في أموال الكنائس مددا له. وشاع خبر استعداد النصارى للغزو في سائر بلادهم، وكان الذين أجابوه للغزو ببلاد المسلمين من ملوك النصرانية ملك الإنكتار وملك اسكوسيا وملك نزول [٢] وملك برشلونة واسمه ريدراكون وجماعة آخرون من ملوك الإفرنج، هكذا ذكر ابن الأثير وأهم المسلمين بكل ثغر شأنهم وأمر السلطان في سائر عمالاته بالاستكثار من العدّة، وأرسل في الثغور لذلك بإصلاح الأسوار واختزان الحبوب، وانقبض تجّار النصارى عن تعاهد بلاد المسلمين. وأوفد السلطان رسله إلى الفرنسيس لاختبار رحاله ومشارطته على ما يكف عزمه. وحملوا ثمانين ألفا من الذهب لاستتمام شروطهم فيما زعموا، فأخذ المال من أيديهم وأخبرهم أنّ غزوة إلى أرضهم. فلما طلبوا المال اعتلّ عليهم بأنه لم يباشر قبضه ووافق شأنهم معه وصول رسول عن صاحب مصر، فأحضر عند الفرنسيس واستجلس فأبى وأنشده قائلا من قول أبي مطروح شاعر السلطان بمصر:

قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق من وزير نصيح [٣]

آجرك الله على ما جرى ... من قتل عباد نصارى المسيح

أتيت مصرا تبتغي ملكها ... تحسب ان الزمر بالطبل ريح

فساقك الحين إلى أدهم ... ضاق به عن ناظريك الفسيح


[١] هو بابا رومة.
[٢] وفي نسخة أخرى: ملك تورك.
[٣] وفي نسخة أخرى: من قؤول فصيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>