للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل أصحابك أودعتهم ... بسوء تدبيرك بطن الضريح

سبعون ألفا لا يرى منهم ... إلّا قتيل أو أسير جريح

ألهمك الله إلى مثلها ... لعلّ عيسى منكم يستريح

إن كان باباكم بذا راضيا ... فربّ غشّ قد أتى من نصيح [١]

فاتخذوه كاهنا إنه ... أنصح من شقّ لكم أو سطيح

وقل لهم إن أزمعوا عودة ... لأخذ ثار أو لشغل قبيح

دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باق والطواشي صبيح

يعني بدار ابن لقمان موضع اعتقاله بالإسكندرية والطواشي في عرف أهل مصر هو الخصي. فلما استكمل إنشاده لم يزد ذلك الطاغية إلا عتوّا واستكبارا، واعتذر عن نقض العهد في غزو تونس بما يسمع عنهم من المخالفات، عذرا دافعهم به، وصرف الرسل من سائر الآفاق ليومه. فوصل رسل السلطان منذرين بشأنهم وجمع الطاغية حشده وركب أساطيله إلى تونس آخر ذي القعدة سنة ثمان وستين وستمائة فاجتمعوا بسردانية وقيل بصقلية. ثم وأعدهم بمرسى تونس وأقلعوا ونادى السلطان في الناس بالنذير بالعدو والاستعداد له، والنفير إلى أقرب المدائن، وبعث الشواني لاستطلاع الخبر واستفهم أياما [٢] .

ثم توالت الأساطيل بمرسى قرطاجنّة وتفاوض السلطان مع أهل الشورى من الأندلس والموحّدين في تخليتهم وشأنهم من النزول بالساحل أو صدّهم عنه، فأشار بعضهم بصدّهم حتى تنفد ذخيرتهم من الزاد والماء فيضطرون إلى الإقلاع. وقال آخرون إذا أقلعوا من مرسى الحضرة ذات الحامية والعدد صبحوا بعض الثغور سواها فملكوه واستباحوه، واستصعبت مغالبتهم عليه فوافق السلطان على هذا وخلوا وشأنهم من النزول فنزلوا بساحل قرطاجنة بعد أن ملئت سواحل رودس بالمرابطة بجند الأندلس والمطوعة زهاء أربعة آلاف فارس لنظر محمد بن الحسين رئيس الدولة.

ولما نزل النصارى بالساحل وكانوا زهاء ستة آلاف فارس، وثلاثين ألفا من الرجّالة فيما حدثني أبي عن أبيه رحمهما الله قال: وكانت أساطيلهم ثلاثمائة بين كبار وصغار،


[١] وفي النسخة التونسية: إن يكن البابا بذا راضيا فربّ عسر قد أتى من نصيح.
[٢] وفي نسخة أخرى: واستبهم أياما. وفي النسخة التونسية عبارة زائدة وهي: «ثم كان عينه فراره» وهذا المثل يضرب لمن يدل ظاهره على باطنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>