للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمسمائة، فأصبحت أبنيته مضروبة كما كانت. وأمر بالخندق على المعسكر فتعاورته الأيدي، واحتفر فيه الشيخ أبو سعيد بنفسه، وابتلي المسلمون بتونس، وظنّوا الظنون واتّهم السلطان بالتحوّل عن تونس إلى القيروان.

ثم إنّ الله أهلك عدوّهم وأصبح ملك الفرنجة ميتا يقال حتف أنفه، ويقال أصابه سهم غرب في بعض المواقف فأبته [١] ويقال أصابه مرض الوباء، ويقال وهو بعيد أنّ السلطان بعث إليه مع ابن جرام الدلاصي بسيف مسموم وكان فيه مهلكه. ولما هلك اجتمع النصارى على ابنه دمياط سمي بذلك لميلاده بها فبايعوه، واعتزموا على الإقلاع. وكان أمرهم راجعا إلى العلجة فراسلت المستنصر أن يبذل لها ما خسروه في مؤنة حركتهم، وترجع بقومها فأسعفها السلطان لما كان العرب اعتزموا على الانصراف إلى مشاتيهم.

وبعث مشيخة الفقهاء لعقد الصلح في ربيع الأوّل سنة تسع وستين وستمائة فتولّى عقده وكتابه القاضي ابن زيتون لخمسة عشر عاما. وحضر أبو الحسن علي بن عمرو وأحمد بن الغماز وزيان بن محمد بن عبد القوى أمير بني توجين، واختصّ جرون صاحب صقلّيّة بسلم عقده على جزيرته. وأقلع النصارى بأساطيلهم وأصابهم عاصف من الريح أشرفوا منه على العطب، وهلك الكثير منهم وأغرم السلطان الرعايا ما أعطى العدو من المال فأعطوه طواعية. يقال إنه عشرة أحمال من المال وترك النصارى بقرطاجنّة تسعين منجنيقا. وخاطب السلطان صاحب المغرب وملوك النواحي بالخبر ودفاعه عن المسلمين وما عقده من الصلح، وأمر بتخريب قرطاجنّة وأن يؤتي بنيانها من القواعد، فصيّر أبنيتها طامسة ورجع الفرنجة إلى دعوتهم فكان آخر عهدهم بالظهور والاستفحال ولم يزالوا في تناقص وضعف إلى أن افترق ملكهم عمالات.

واستبدّ صاحب صقلّيّة لنفسه، وكذا صاحب نايل وجنوده وسردانية، وبقي بيت ملكهم الأقدم لهذا العهد على غاية من الفشل والوهن. والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.


[١] هكذا بالأصل وفي النسخة التونسية: فأثبته بمعنى أماته.

<<  <  ج: ص:  >  >>