سبيله تلك ابنه عبد الرحمن واستخلفه السلطان أبو البقاء خالد على بجاية عند ما نهض إلى تونس سنة تسع وسبعمائة وأنزله بها، وكان طموحا لجوجا مدلا ببأسه وقدمه ومكانه من الدولة. فلما دعا السلطان أبو بكر لنفسه وخلع طاعة أخيه، وأخذ له أبو عبد الرحمن بن غمر البيعة على الناس وخاطبوه بأخذ البيعة له على من يليه ببجاية وأعمالها فأبى منها، وتمسّك بدعوة صاحبه، ونفس على ابن عمر ما تحصّل له من ذلك من الحظ فجاهر بخلافهم.
وجمع واحتشد وتقبّض على صاحب الأشغال عبد الواحد ابن القاضي أبي العباس الغماري وعلى صاحب الديوان محمد بن يحيى القالون مصطنع الحاجب ابن غمر من أهل المريّة كان أسدى إليه عند اجتيازه به معروفا، ورحل إليه عند ما استولى على الرتبة ببجاية، فكافأه عن معروفه واصطنعه وألقى عليه محبته ورقاه إلى الرتب، وصرّفه في أعمال الجباية وقلّده ديوان بجاية، فتقبّض عبد الرحمن بن مخلوف عليه وعلى صاحبه. وجمع الناس وأعلن بالدعوة للسلطان أبي البقاء خالد وارتحل السلطان أبو بكر من معسكر بظاهر قسنطينة وأغذّ السير إلى بجاية، ونزل مطلّا عليها وأمهل الناس عامة يومهم [١] وشرط ابن مخلوف على السلطان عزل ابن غمر، وتردّدت الرسل بينهم في ذلك. وكان الوزير أبو زكريا بن أبي الأعلام من الساعين في هذا الإصلاح بما كان له من الصهر مع ابن مخلوف. وحين رجع إليه بامتناع السلطان عن شرطه منعه من الرجوع إليهم وحبسه عنده، وزحف أهل المعسكر بالسلطان وخاموا عن لقاء صنهاجة ومن معهم من مغراوة أهل الشوكة والعصبية والعدد والقوّة.
وأجفل السلطان من معسكره فانتهب وأخذت آلته، وسلب من كان في المعسكر من أخلاط الناس. ودخل السلطان إلى قسنطينة في فلّ من عسكره، وبعث ابن مخلوف عسكرا في اتباعه فوصلوا إلى ميلة فدخلوها عنوة. ثم وصلوا إلى قسنطينة فقاتلوها أياما، ثم رجعوا إلى بجاية. وأقام السلطان واضطرب أمره، وتوقع زحف ظافر إليه من باجة، واتصل به أنّ أبا يحيى زكريا بن أحمد اللحياني قفل من المشرق، وأنه لما انتهى إلى طرابلس دعا لنفسه لما وجد بإفريقية من الاضطراب، فبويع وتوافت إليه