للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفقدان العصبيّة في مواطنهم منذ أعصار بعيدة بفناء العرب ودولتهم بها وخروجهم عن ملكة أهل العصبيّات [١] من البربر فبقيت أنسابهم العربيّة محفوظة والذّريعة إلى العزّ من العصبيّة والتّناصر مفقودة بل صاروا من جملة الرّعايا المتخاذلين الذين تعبّدهم القهر ورئموا للمذلّة [٢] يحسبون أنّ أنسابهم مع مخالطة الدّولة هي الّتي يكون لهم بها الغلب والتّحكّم فتجد أهل الحرف والصّنائع منهم متصدّين لذلك ساعين في نيله فأمّا من باشر أحوال القبائل والعصبيّة ودولهم بالعدوة الغربيّة وكيف يكون التّغلّب بين الأمم والعشائر فقلّما يغلطون في ذلك ويخطئون في اعتباره. ومن هذا الباب أيضا ما يسلكه المؤرّخون عند ذكر الدّول ونسق ملوكها فيذكرون اسمه ونسبه وأباه وأمّه ونساءه ولقبه وخاتمه وقاضيه وحاجبه ووزيره كلّ ذلك تقليد لمؤرّخي الدّولتين من غير تفطّن لمقاصدهم والمؤرّخون لذلك العهد كانوا يضعون تواريخهم لأهل الدّولة وأبناؤها متشوّفون إلى سير أسلافهم ومعرفة أحوالهم ليقتفوا آثارهم وينسجوا على منوالهم حتّى في اصطناع الرّجال من خلف دولتهم وتقليد الخطط والمراتب لأبناء صنائعهم وذويهم والقضاة أيضا كانوا من أهل عصبيّة الدّولة وفي عداد الوزراء كما ذكرناه لك فيحتاجون إلى ذكر ذلك كلّه وامّا حين تباينت الدّول وتباعد ما بين العصور ووقف الغرض على معرفة الملوك بأنفسهم خاصّة ونسب الدّول بعضها من بعض في


[١] العصبية بفتحتين التعصب وهو أن يذب الرجل عن حريم صاحبه ويشمر عن ساق الجد في نصره منسوبة إلى العصبة محركة وهم أقارب الرجل من قبل أبيه لأنهم هم الذابون عن حريم من هو منتهاهم وهي بهذا المعنى ممدوحة وإما العصبية المذمومة في الحديث الجامع الصغير ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية فهي تعصب رجال لقبيلة على رجال لقبيلة أخرى لغير ديانة كما كان يقع من قيام سعد على حرام نسبة إلى العصبة بمعنى قوم الرجل الذين يتعصبون له ولو من غير أقاربه ظالما كان أو مظلوما وفي الفتاوي الخيرية من موانع قبول الشهادة العصبية وهي أن يبغض الرجل الرجل لأنه من بني فلان أو من قبيلة كذا والوجه في ذلك ظاهر وهو ارتكاب المحرم ففي الحديث ليس منا من دعي إلى عصبية وهو موجب للفسق ولا شهادة لمرتكبه. قاله الأستاذ أبو ألوفا.
[٢] في القاموس: يقولون: «هو رءوم للضيم أي ذليل راضي بالخسف» وهذه العبارة قليلة الاستعمال.
والأصح: رئموا المذلة بمعنى ألفوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>