للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاجب حق بعثه [١] فأوسع في كرامته. ولما غلب الأمير أبو عبد الله على تدلس بعث إليه من تونس ليوليه عليها، وتكون ردءا بينه وبين حمو، ويتفرّغ هو للإجلاب على وطن قسنطينة، فبادر إلى الإجابة وخرج من تونس. ومرّ السلطان أبو العباس بمكانه من قسنطينة فصدر على سبيله واعتقله عنده مكرّما، فلما غلب على بجاية وبلغه الخبر بزحف أبي حمو أطلقه من اعتقاله ذلك واستبلغ في تكرمته وحبائه، ونصبه للملك وجهز له بعض الآلة. وخرج في معسكره مولاه بشير ليجأجئ به بني عبد الواد عن ابن عمه أبي حمو لما سئموا من ملكه وعنفه.

وكان زغبة عرب المغرب الأوسط في معسكر أبي حمو، وكان على حذر من [٢] مغبة أمره معهم فراسلوا أبا زيّان وائتمروا بينهم في الإرجاف بالمعسكر. ثم تحيّنوا لذلك أن يشبّ الحرب بين أهل البلد وأهل المعسكر فأجفلوا خامس ذي الحجّة، وانفضّ بالمعسكر وانتحوا إلى مضايق الطرقات بساح البلد فكفّلت بزحامهم وتراكموا عليها فهلك الكثير منهم، وخلّفوا من الأثقال والعيال والسلاح والكراع ما لا يحيط به الوصف. وأسلم أبو حمو عياله وأمواله فصارت نهبا واجتلبت حظاياه إلى السلطان فوهبها لابن عمه ونجا أبو حمو بنفسه بعد أن طاح في كظيظ الزحام عن جواده فنزل له وزيره عمران بن موسى عن مركوبة فكان نجاؤه عليه، ونزل بالجزائر في الفلّ، ولحق منها بتلمسان واتبع أبو زيّان أثره، واضطرب المغرب الأوسط كما نذكره في أخباره. وخرج السلطان أبو العبّاس من بجاية على أثر هذه الواقعة فنازل تدلس وافتتحها وغلب عليها من كان بها من عمّال بني عبد الواد وانتظمت الثغور الغربية كلها في ملكه كما كانت في ملك جدّه الأمير أبي زكريا الأوسط حين قسم الدعوة الحفصيّة بها إلى أن كان ما نذكره بعده إن شاء الله تعالى.

(الخبر عن زحف العساكر الى تونس) كان أبو عبد الله ابن الحاجب أبي محمد بن تافراكين لما نزع عن السلطان أبي إسحاق


[١] وفي نسخة ثانية: بيته.
[٢] وفي نسخة ثانية: وكانوا حذرين مغبة أمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>