للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارتحل إلى الزاب في جنوده ومعه العرب من سليم فأجفل بالزاب ونزل بلد أوماش من قراه، وفرّت العرب من الزواودة وسائر رياح أمامه، ودافعه يوسف بن مزني بهديّة دفعها إليه وهو بمكانه من أوماش، وارتحل عنه إلى بلاد ريغة فافتتح تقرّت معقلهم واستباحها ودوّخ سائر أعمالها. ورجع إلى تونس ونكب السلطان قائده محمد ابن الحكيم هذا سنة أربع وأربعين وسبعمائة وولّى ابنه أبا حفص عمر. وخشي الحاجب أبو محمد بن تافراكين بادرته وسعاية بطانته فلحق بملك المغرب المرهوب الشبا [١] المطل على الممالك، يعسوب القبائل والعشائر الحسن، وأغراه بملك إفريقية واستجرّه إليها، فنهض في الأمم العريضة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة كما ذكرنا ذلك كلّه من قبل. ووفد عليه يوسف بن منصور أمير الزاب بمعسكره من بني حسن فلقّاه برّا وترحيبا واستتبعه في جملته إلى قسنطينة. ثم عقد له على الزاب وما وراءه من قرى ريغة وواركلى، وصرفه إلى عمالته. واستقبل تونس، وأمره برفع الجباية إليه مع العمّال القادمين من أقصى المغرب على رأس الحول فاستعدّ لذلك، حتى إذا سمع بوصولهم من المغرب لحقهم بقسنطينة وفجأهم هنالك جميعا الخبر بنكبة السلطان على القيروان كما ذكرناه، ونذكره فاعتزم على اللحاق ببلده.

واعصوصب عليه يعقوب بن علي بن أحمد أمير البدو بالناحية الغربية من إفريقية لأذمّة صهر كانت بينهما ومخالصة، وتحيّز إليهم من كان بقسنطينة من أولياء السلطان وحاشيته وعماله، ورسل الطاغية والسودان الوافدين مع ابنه عبد الله من أصاغر بنيه، وآواهم يوسف بن منصور جميعا إليه، وأنزلهم ببلده وكفاهم مهمّاتهم شهورا من الدهر حتى خلص السلطان من القيروان إلى تونس، ولحقوا به مع يعقوب بن علي فكانت تلك يدا اتخذها يوسف بن منصور عند السلطان أبي الحسن وبنيه باقي الأيام. ثم اتبع ذلك بمخالفة رؤساء النواحي من إفريقية جميعا في الانتقاض عليه، وأقام مستمسكا بطاعته يسرّب الأموال إليه بتونس وبالجزائر عند خلوصه إليها من النكبة البحرية كما سنذكره، ويدعو له على منابره بعد تفويضه على الجزائر إلى المغرب الأقصى لاسترجاع ملكه، إلى أن هلك السلطان أبو الحسن بجبل هنتاتة من أقصى المغرب سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة واستقام أمر الدولة المرينيّة لابنه السلطان أبي


[١] شبا الشيء: علا وأضاء، وشبا النار: أوقدها وقد تكون شباة وهي حد كل شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>