للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشباب لسير [١] أمره، والاستعلاء [٢] على نظائره حتى تطارحوا في هوة الهلاك بين قتيل ومغرّب ونحيب العمران، لم يعطفه عليهم عواطف الرحم ولا زجره وازع التقوى والسلطان، حتى خلا له الجو واستوسق الأمر واستقلّ من أمر البلد والحل والعقد بأوفى من استبداد أبيه. وكان مهلكه قريبا من استبداده لخمس سنين متلقيا [٣] الكرة من يده أخوه محمد تربه في الرئاسة ومجاريه في مضمارها، فأجرى إلى الغاية واقتعد كرسي الرئاسة وعفى على آثار المشيخة. واستظهر على أمره بمصانعه أمراء البدو وأولاد أبي الليل، والمتات إليهم بصهر كان عقده أبوه أحمد لأبي الليل جدّهم على أخته أو عمته. فكانوا ردءا له من الدولة فنفذ [٤] صيته وعظم استيلاؤه وامتدّت أيامه وعني الملوك بخطابه واسناد الأمور في تلك البلاد إليه خلال ما تعود الكرّة وتهب ريح الدولة. وزحف إليه القائد محمد بن الحكيم سنى أربعين فلاذ منه بالطاعة والمصانعة بالمال، ورهنه ولده يحيى فرجعه إليه ابن الحكيم وتقبّل طاعته من غير رهن استقامة لما ابتلاه من خلوصه. وأقام على ذلك إلى أن هلك لعام أربع وأربعين من المائة الثامنة.

وتصدّى ولده عبد الله للقيام بالأمر فوثب عليه عمه أبو زيد بن أحمد فقتله على جدث أبيه صبح مواراته بعد أن كان أظهر الرضا به والتسليم له فثارت به العامّة لحينه، وكان مصرعهما واحدا. وقام بالأمر أخوه يملول بن أحمد أربعة أشهر كانت شرّ مدة وأسوأ ولاية، لما أصاب الناس بسوء ملكته من سفك الدماء واستباحة الحرم واغتصاب الأموال، حتى كان ينسب إلى الجنون مرّة وإلى الكفر أخرى فمرج أمرهم واستولى الضجر على نفوسهم، وكان أخوه أبو بكر معتقلا بالحضرة فراسله أهل توزر سرا وأطلقه السلطان من محبسه بعد أن أخذت عليه المواثيق بالطاعة والوفاء بالجباية فصمد إليها بمن في لفّه من الأعراب، وحشد نفزاوة والمجاورين لها في القرى الظاهرة المقدّرة السير، وأجلب عليهم ثم بيّتها فاقتحمها وبادر الناس إلى القبض على يملول أخيه وأمكنوه منه فاعتقله بداره وتبرّأ من دمه، وأصبح لثالثة اعتقاله ميتا بمحبسه.

وكانت قفصة من قبل ذلك لما صار أمر الجريد إلى الشورى قد استبد بها يحيى بن


[١] وفي نسخة أخرى: ليستبد.
[٢] وفي نسخة أخرى: والاستيلاء.
[٣] وفي نسخة أخرى: فتلقف.
[٤] وفي نسخة أخرى: فبعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>