للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إلى المغرب واستبيح معسكره.

وسرّح أبو يزيد عساكره إلى مدينة سوسة فاقتحموها عنوة وأكثروا من القتل والمثلة.

وعظم القتل بضواحي إفريقية، وخلت القرى والمنازل ومن أفلته السيف أهلكه الجوع. واستخفّ أبو يزيد بالناس بعد قتل ميسور فلبس الحرير وركب الفاره. ونكر عليه أصحابه ذلك، وكاتبه به رؤساؤهم من البلاد، والقائم خلال ذلك بالمهديّة يخندق على نفسه ويستنفر كتامة وصنهاجة للحصار معه. وزحف أبو يزيد حتى نزل المهديّة وناوش عساكرها الحرب، فلم يزل الظهور عليهم، وملك زويلة. ولما وقف بالمصلّى قال القائم لأصحابه من هاهنا يرجع، واتصل حصاره للمهديّة، واجتمع إليه البربر من قابس وطرابلس ونفوسة.

وزحف إليهم ثلاث مرّات فانهزم في الثالثة ولم يقلع، وكذلك في الرابعة، واشتدّ الحصار على المهديّة ونزل الجوع بهم. واجتمعت كتامة بقسنطينة وعسكروا بها لإمداد القائم، فسرّح إليهم أبو يزيد يكموس [١] المزاتي من ورفجومة، فانفضّ معسكر كتامة من قسنطينة. ويئس القائم من مددهم وتفرّقت عساكر أبي يزيد في الغارات والنهب فخفّ المعسكر، ولم يبق به إلّا هوّارة ورأس بني كملان [٢] وكثرت مراسلات القائم للبربر.

واستراب بهم أبو يزيد وهرب بعضهم إلى المهديّة، ورحل آخرون إلى مواطنهم، فأشار عليه أصحابه بالإفراج عن المهديّة فأسلموا معسكرهم، ولحقوا بالقيروان سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. ودبّر أهل القيروان في القبض عليه فلم يتهيّأ لهم، وعذله أبو عمّار فيما أتاه من الاستكثار من الدنيا فتاب وأقلع، وعاود لبس الصوف والتقشّف.

وشاع خبر إجفاله عن المهديّة فقتل النكارية في كل بلد، وبعث عساكره فعاثوا في النواحي وأوقعوا بأهل الأمصار وخرّبوا كثيرا منها. وبعث ابنه أيوب إلى باجة فعسكر بها ينتظر وصول المدد من البربر وسائر النواحي فلم يفجأه إلّا وصول عليّ بن حمدون الأندلسي صاحب المسيلة في حشد كتامة وزواودة، وقد مرّ بقسنطينة والأربص وشقنبارية، واستصحب منها العساكر فبيّته أيوب وانفضّ معسكره، وتردّى به فرسه في بعض الأوعار فهلك.


[١] وفي نسخة ثانية: زكوا.
[٢] وفي نسخة ثانية: هوارة وراس وبنو كملان.

<<  <  ج: ص:  >  >>