واستراح إلى الجند بأقوال نميت عنه إلى المنصور فاستدعاه من العدوة وألحقه بمقتوله ابن كنون.
وعقد على العدوة للوزير حسن بن أحمد بن عبد الودود السلمي، واكثف عدده، وأطلق في المال يده، ونفذ إلى عمله سنة ست وسبعين وثلاثمائة فضبط المغرب أحسن ضبط وهابته البرابرة، ونزل فاس من العدوة، فعزّ سلطانه وكثر جمعه، وانضمّ إليه ملوك النواحي حتى حذر ابن أبي عامر مغبّة استقلاله، واستدعاه ليبلو صحة طاعته، فأسرع اللحاق به، فضاعف تكرمته وأعاده إلى عمله، وكان بدوي بن يعلى هذا من بين ملوك زناتة كثير الاضطراب على الأموية والمراوغة لهم بالطاعة.
وكان لمنصور بن أبي عامر يضرب بينه وبين قرينه زيري بن عطية ويقرن كلا منهما بمناغاة صاحبه في الاستقامة، وكان إلى زيري أميل وبطاعته أوثق، لخلوصه وصدق طويته وانحياشه فكان يرجو أن يتمكّن من قياد بدوي بن يعلى بمناغاته، فاستدعى بزيري بن عطية إلى الحضرة سنة سبع [١] وسبعين وثلاثمائة فبادر إلى القدوم عليه وتلقّاه وأكبر موصله وأحسن مقامه ومنقلبه وأعظم جائزته، وسام بدوي مثلها فامتنع، وقال لرسوله: قل لابن أبي عامر متى عهد حمر الوحش تنقاد للبيطارة.
وأرسل عنانه في العيث والفساد ونهض إليه صاحب المغرب الوزير حسن بن عبد الودود في عساكره وجموعه من جند الأندلس وملوك العدوة مظاهرا عليه لعدوّة زيري بن عطية، وجمع لهم بدوي ولقيهم سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة فكان الظهور له.
وانهزم عسكر السلطان وجموع مغراوة، واستلحموا وجرح الوزير حسن بن عبد الودود جراحات كان فيها لليال مهلكه. وطار الخبر إلى ابن أبي عامر فاغتمّ لذلك وكتب إلى زيري بضبط فاس ومكاتبة أصحاب حسن، وعقد له على المغرب كما نستوفي ذكره عند ذكر دولتهم. وغالبة بدوي عليها مرّة بعد أخرى ونزع أبو البهار بن زيري بن مناد الصنهاجي عن قومه، ولحق بسواحل تلمسان ناقضا لطاعة الشيعة، وخارجا على أخيه المنصور بن بلكّين صاحب القيروان. وخاطب ابن أبي عامر من وراء البحر وأوفد عليه ابن أخيه ووجوه قومه فسرّب إليه الأموال والصلاة بفاس مع