ولهم مع إخوانهم بني يفرن اجتماع وافتراق ومناغاة في أحوال البدو. وكان لمغراوة هؤلاء في بدوهم ملك كبير أدركهم عليه الإسلام فأقرّه لهم وحسن إسلامهم.
وهاجر أميرهم صولات بن وزمار إلى المدينة، ووفد على أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه، فلقاه برّا وقبولا لهجرته، وعقد له على قومه ووطنه. وانصرف إلى بلاده محبوّا محبورا مغتبطا بالدين مظاهرا لقبائل مضر، فلم يزل هذا دأبه. وقيل إنه تقبّض عليه أسيرا لأوّل الفتح في بعض حروب العرب مع البربر قبل أن يدينوا بالدين فأشخصوه إلى عثمان لمكانه من قومه فمنّ عليه وأسلم فحسن إسلامه، وعقد له على عمله فاختصّ صولات هذا وسائر الأحياء من مغراوة بولاء عثمان وأهل بيته من بني أمية، وكانوا خاصة لهم دون قريش، وظاهروا دعوة المروانية بالأندلس رعيا لهذا الولاء على ما تراه بعد في أخبارهم.
ولما هلك صولات قام بأمره في مغراوة وسائر زناتة من بعده ابنه حفص وكان من أعظم ملوكهم، ثم لما هلك قام بأمره ابنه خزر وعند ما تقلّص ظلّ الخلافة عن المغرب الأقصى بعض الشيء، وأظلت فتنة ميسرة الحقير ومظفره [١] فاعتزّ خزر وقومه على أمر المضرية بالقيروان، واستفحل ملكهم وعظم شأن سلطانهم على البدو من زناتة بالمغرب الأوسط. ثم انتقض أمر بني أمية بالمشرق فكانت الفتنة بالمغرب فازدادوا اعتزازا وعتوّا، وهلك خلال ذلك خزر وقام بملكه ابنه محمد وخلص إلى المغرب إدريس الأكبر بن عبد الله بن حسن بن الحسن سنة سبعين ومائة في خلافة الهادي. وقام برابرة المغرب من أوربة ومدينة ومغيلة بأمره، واستوثق له الملك واقتطع المغرب عن طاعة بني العبّاس سائر الأيام.
ثم نهض إلى المغرب الأوسط سنة أربع وسبعين ومائة فتلقّاه محمد بن خزر هذا وألقى إليه المقادة، وبايع له عن قومه وأمكنه من تلمسان بعد أن غلب عليها بني يفرن أهلها. وانتظم لإدريس بن إدريس الأمر وغلب على جميع أعمال أبيه، وملك تلمسان وقام بنو خزر هؤلاء بدعوته كما كانوا لأبيه. وكان قد نزل تلمسان لعهد إدريس الأكبر أخوه سليمان بن عبد الله بن حسن بن الحسن القادم إليه من المشرق، وسجّل له بولاية تلمسان من سجل ابنه إدريس لمحمد ابن عمّه سليمان من بعده،